» 2025 » اليوم التاسع – العبودية لله سر بناء الإنسان
2025 - محرم 1447 هـ

اليوم التاسع – العبودية لله سر بناء الإنسان

28 يوليو, 2025 30186

العبودية لله سر بناء الإنسان

مع سماحة العلامة الشيخ حسين المعتوق.

التغطية المصورة:

 

التغطية الصوتية:

 

التغطية المكتوبة:

 

الموسم العاشورائي – محرم الحرام 1447 هجري
محاضرة اليوم التاسع تحت عنوان: العبودية لله سر بناء الإنسان.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين، وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، عليك مني سلام الله أبدًا ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد منا لزيارتكم. يا ليتنا كنا معكم، فنفوز فوزًا عظيمًا.

الإنسان ومقصده في هذا الوجود

أيها الإخوة والأخوات، إن من المسلمات الكبرى في مدرسة أهل البيت عليهم السلام أن الأحكام الإلهية، والتكاليف الشرعية، ما هي إلا وسائل وطرق تهدف إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسد. لكن هذه المصالح والمفاسد ليست منفصلة عن الإنسان، بل مرتبطة ببنائه الروحي والنفسي والأخلاقي، متعلقة بجوهر وجوده، وسيره نحو الكمال.

فالإنسان لم يُوجد عبثًا، ولم تُخلق الدنيا هدفًا بذاتها، بل هي محطة، معبر، وطريق إلى الآخرة، التي هي الغاية الحقيقية. هذا ما قرره القرآن الكريم عندما قال:

لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله.”

فإن كان الجماد يتفاعل خشيةً وخضوعًا، فكيف بالإنسان العاقل المكلف؟! فمهمتنا، أيها الأعزاء، أن نعيش حالة الانقياد لله، ونقترب من الأهداف الإلهية التي خُلقنا لأجلها.

النقطة الأولى: الطاعة ليست مجرد فعل.. بل اقتراب من الله

الطاعة، في منطق الإسلام، ليست تنفيذًا ميكانيكيًا لتعليمات شرعية، بل هي حركة باتجاه القرب من الله. فإن لم تقربك الصلاة من الله، وإن لم تمنعك من الفحشاء والمنكر، فثمّة خلل كبير. التكليف لا يقتصر على أفعال معينة فقط، كالصلاة والصيام، بل قد يتعلّق بنتائج وغايات، كأن يطلب الله تعالى منك أن تكون ذو قلب سليم، خالٍ من الحسد والعجب والفخر.

النقطة الثانية: أمراض القلوب.. أوبئة الإيمان

دعونا نتأمل في الروايات الصحيحة التي تحدثت عن آفات الدين:

  • الحسد: لا يرضى برزق الله للآخرين. يحترق في داخله إذا رأى نعمة عند غيره.
  • العجب: أن يُعجب الإنسان بنفسه، فيظن أنه لا يخطئ، فينغلق أمام باب التغيير والإصلاح.
  • الفخر: التفاخر بالنسب، المال، المظهر، أو حتى التدين. وهو سلوك يُشعر الآخرين بالنقص.

قال أمير المؤمنين (ع):

“ما لأحد أن يفتخر إلا بتقوى الله.”
والقرآن يردّ على كل متفاخر بقوله:
إن أكرمكم عند الله أتقاكم.”

النقطة الثالثة: العصبية.. وحقيقة الانتماء

أيها الأحبة، الإسلام لا يقبل أي نوع من العصبية. لا عصبية مذهبية، ولا قومية، ولا عائلية. الإمام الصادق (ع) يقول:

“من تعصّب أو تُعُصّب له، فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه.”

حتى لو لم يكن متعصبًا بالفعل، لكن بقي في قلبه شيء من العصبية، فهذا وحده يكفي أن يُبعث يوم القيامة مع أعراب الجاهلية.

فالعصبية تُغلق باب التفكير، وتحول دون الإنصاف، وهي عكس ما يريده الإسلام منّا: أن نكون منصفين، متجردين لله، لا للقبيلة أو المذهب أو الذات.

النقطة الرابعة: بناء الطهارة الداخلية

الإسلام يريد إنسانًا طاهرًا، نقي القلب، لا يفتخر، لا يعجب، لا يتكبر. يريد الإنسان الذي يسعى ليكون على طريقة أمير المؤمنين (ع):

إلهي كفاني فخراً أن تكون لي رباً، وكفاني عزاً أن أكون لك عبداً.”

كلما ازداد الإنسان فهماً لله، ازداد خضوعًا، لا كبرياء. وهذا الخضوع يتحقق بشيء واحد: العبودية الحقيقية لله، وهي روح كل عبادة، روح الصلاة، الصيام، الزكاة، وغيرها.

النقطة الخامسة: جهاد النفس.. طريق التغيير الحقيقي

لننتبه، إخوتي وأخواتي، أن جهاد النفس ليس أمراً سهلاً. لهذا سمّاه النبي (ص) الجهاد الأكبر. ليس هو بالصوت المرتفع ولا بالشعارات، بل هو صراع يومي في داخل النفس:

  • أن تتواضع وأنت قادر على التكبر.
  • أن تصمت وأنت قادر على الرد.
  • أن تُعطي وأنت محتاج.
  • أن تصلي وأنت متعب.

كل هذا يحتاج إلى جهاد.

النقطة السادسة: كيف نربي أنفسنا وأبناءنا؟

علينا أن نُربّي أنفسنا وأولادنا على هذه القيم. لا يكفي أن نعلمهم الصلاة فقط، بل أن نعلمهم معاني الصلاة، ومقاصدها، وروحها. الصلاة ليست طقوسًا نؤديها بل عبادة تهذّب الروح.

الله لا يريد فقط أن نصلي، بل يريد أن نعرفه، نحبه، ونتواصل معه. نعرفه من خلال أسمائه وصفاته، نحبه لأن نعمته تغمرنا، ونتواصل معه لأننا عباده، وهو ربنا.

النقطة السابعة: العبودية تنقذنا من الظلمات

كل صفات النفس السلبية، مثل الحسد، الفخر، العصبية… كلها تنقضي أمام نور العبودية لله. فكلما ازداد الإنسان عبودية، ازداد نورًا، وابتعد عن الظلمات.

النقطة الثامنة: كن إنساناً صادقاً.. تكن مع الحسين (ع)

أصحاب الحسين (ع) لم يكونوا من علية القوم، ولم يكونوا من المشهورين. كثير منهم لم يُذكر لهم تاريخ. لكن صدقهم هو ما خلدهم.

جون، وهب، برير… هؤلاء لم يكونوا زعماء ولا علماء. كانوا مخلصين. صدقوا مع الله، فصدقهم الله. الحسين (ع) لم يكن يطلب الكثرة، بل يطلب الصفاء.

: إلى أين نحن ذاهبون؟

أيها الأحبة، نحن نعيش سنوات محدودة على وجه الأرض. بعد مئة سنة، لن يتذكرنا أحد، إلا بعمل صالح تركناه. فما الذي سيبقى لنا؟ ما الذي نحمله إلى الله؟

علينا أن نسأل أنفسنا يوميًا: الله ماذا يريد مني اليوم؟ لا تسأل: ماذا أريد أنا؟ اسأل: ماذا يريد هو؟ فبهذا السؤال يبدأ طريق الطهارة، ويبدأ طريق النجاة.

اللهم اجعلنا من الذين يتقربون إليك، لا من الذين يعبدونك بأجسادهم وقلوبهم لاهية. اللهم طهّر قلوبنا من الحسد، العجب، الفخر، العصبية. اجعلنا ممن عرفك، فأحبك، فتعلق بك، فسلك طريقك، فنال رضاك.

اللهم اجعلنا ممن يحيون بذكرك، ويموتون على حب أوليائك، ويُبعثون في زمرتهم.

السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، وعلى أخته زينب، وعلى أخيه أبي الفضل العباس. ورحمة الله وبركاته.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

قیم هذا المقال!

اترك تعليقاً

  • ×