» 2025 » اليوم الرابع – منهج التغيير في الميزان
2025 - محرم 1447

اليوم الرابع – منهج التغيير في الميزان

28 يوليو, 2025 00127

منهج التغيير في الميزان

مع سماحة العلامة الشيخ حسين المعتوق.

التغطية المصورة:

 

التغطية الصوتية:

 

التغطية المكتوبة:

 

الموسم العاشورائي – محرم الحرام 1447 هجري
محاضرة الیوم الرابع تحت عنوان: منهج التغيير في الميزان.

 

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام على الحسين وعلى أهل بيته الطاهرين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، السلام عليكم أيها الإخوة المؤمنون، السلام على قلوبكم الطاهرة، وعلى أرواحكم النقية، أسأل الله العلي القدير أن يجعل هذا اللقاء المبارك في ميزان حسناتنا جميعًا، وأن ينفعنا بما نقول ونسمع، وأن يرزقنا الهدى والتقوى، ويثبتنا على الحق إلى يوم الدين.

أيها الأحبة، نتحدث اليوم عن آية عظيمة من كتاب الله، آية أرشدتنا إلى منهجنا في الحياة، ومنهج الأمة في إصلاح ذاتها، آية تجمع بين الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي الطريق إلى الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة. إننا نحتاج إلى وقفة مع أنفسنا، وقفة تأمل في مسؤولياتنا، في دعواتنا، في أفعالنا، وفي موقفنا من واقعنا المعاصر.

فلنفتح قلوبنا وعقولنا، ولنتابع معًا هذه المحاضرة التي نستعرض فيها موضوعًا مركزيًا، هو دعوة الأمة إلى الخير، وأمرها بالمعروف، ونهيها عن المنكر، مستنيرين بسيرة أهل البيت عليهم السلام وثورة الإمام الحسين عليه السلام، تلك الثورة التي تجسد أسمى معاني المسؤولية والوفاء لله ولرسوله.

النقطة الأولى: مفهوم الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

أولاً: معنى الدعوة إلى الخير

  • الدعوة إلى الخير ليست مجرد نقل معلومات أو توجيهات سطحية، بل هي حركة اجتماعية وفكرية تهدف إلى إصلاح المجتمع بأكمله.
  • هذا الخير يشمل كل ما يؤدي إلى استقرار المجتمع وسلامته من الناحية الدينية والأخلاقية والاجتماعية، كالأمانة، الصدق، العدالة، الرحمة، والتعاون.

ثانياً: الأمر بالمعروف

  • الأمر بالمعروف يعني حث الناس على ما هو صحيح ومقبول شرعًا وعرفًا، وهو أمر إيجابي لبناء مجتمع متماسك.
  • يجب أن يكون المعروف واضحًا ومعروفًا للناس بحيث لا يختلفوا عليه، كالصلاة، الصدق، احترام الآخرين، والعدل.

ثالثا: النهي عن المنكر

  • النهي عن المنكر يشمل مواجهة ما يخالف الشرع أو الأخلاق، مثل الظلم، الكذب، الفساد، والفساد الأخلاقي.
  • النهي ليس فقط قولاً، بل يتطلب أفعالاً حكيمة قد تشمل الإنذار، التوجيه، وفي بعض الأحيان المقاومة، حسب الموقف.

رابعاً: ارتباط المفاهيم الثلاثة ببعضها

  • هذه العناصر الثلاثة (الدعوة إلى الخير، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر) تشكل ثلاثية متكاملة لا يمكن الفصل بينها.
  • من لا يأمر بالمعروف ولا ينهي عن المنكر فهو خارج عن مفهوم هذه الآية، وبهذا يتعثر البناء الأخلاقي والاجتماعي.

النقطة الثانية: المناهج التي تتبعها الأمة الإسلامية في مواجهة الواقع

في التاريخ الإسلامي، شهدنا مناهج مختلفة في مواجهة الفساد والظلم، ومن المهم فهم هذه المناهج لتقييم دورنا المعاصر.

أولاً: الاستسلام للواقع ومنطق العجز

  • بعض الناس يستسلمون للواقع المظلم ويعتبرونه أمرًا لا مفر منه.
  • هذا المنهج يعزز من استمرار الفساد لأنه يقتل روح المبادرة والمسؤولية.
  • ثقافة الاستسلام تولد جمودًا اجتماعيًا وشعورًا بالعجز الجماعي.

ثانياً: التغيير المحدود في نطاق ضيق

  • في بعض الحالات، تقتصر محاولات الإصلاح على المحيط القريب، كالعائلة أو البيئة المباشرة، دون التفكير في تغيير أكبر.
  • هذا التغيير الجزئي مفيد لكنه غير كافٍ، لأن الفساد قد يكون مؤسسًا في بنية المجتمع نفسه.

ثالثاً: التغيير برؤية متسرعة وغير مدروسة

  • التسرع في محاولة التغيير دون تخطيط أو دراسة يؤدي إلى فشل المحاولات وارتداد الأمور إلى الأسوأ.
  • التغيير العشوائي يفتقر إلى الاستدامة ويؤدي إلى نتائج عكسية تؤذي المجتمع.

رابعـاً: التغيير وفق رؤية مثالية غير واقعية

  • انتظار حدوث مجتمع مثالي فجأة هو وهم قد يؤدي إلى الإحباط وفقدان الأمل، لأنه يتجاهل التعقيدات التاريخية والاجتماعية.
  • هذا المنهج يتطلب توازناً بين المثالية والواقعية.

خامساً: الإفراط في الحذر والمبالغة في الاحتياط

  • خوف البعض من المخاطر قد يمنعهم من اتخاذ خطوات ضرورية، ما يؤدي إلى الجمود والفساد المستمر.
  • يجب التمييز بين الحذر الضروري والحذر المفرط الذي يعيق الإصلاح.

سادساً: التركيز على النخبة فقط وإهمال الأمة

  • انتظار النخبة لتغيير المجتمع وحدها دون مشاركة الجماهير يؤدي إلى انفصال بين القيادة والشعب، ويضعف الحركة الإصلاحية.
  • المشاركة الشعبية أساس لأي إصلاح حقيقي.

سابعاً: الإيمان بالتغيير التدريجي وبالأساليب المناسبة

  • التغيير التدريجي والصبر على النتائج، مع استخدام أساليب حكيمة تتناسب مع كل ظرف، هو منهج النجاح.
  • هذا المنهج يدعو إلى التوازن بين العجلة والحكمة.

النقطة الثالثة: ثورة الإمام الحسين عليه السلام كنموذج للتغيير

أولاً: خلفية الثورة

  • ثورة الإمام الحسين لم تكن مجرد معركة عسكرية، بل كانت حركة إصلاحية تهدف إلى استعادة قيم الإسلام الحقيقية.
  • الإمام الحسين أراد أن يرد الأمة إلى طريق الله بعيدًا عن الاستبداد والفساد.

ثانياً: موقف أهل الكوفة

  • أهل الكوفة وعدوا الإمام بالدعم لكنه لم يحظَ به في النهاية، بسبب تقلبهم وخوفهم من عواقب المواجهة.
  • هذا الانسحاب يعكس مشكلة واسعة في الأمة من حيث الضعف والخذلان.

ثالثاً: موقف الإمام الحسين في مواجهة الطغيان

  • الإمام رفض بيعة يزيد الظالم وأصر على القتال دفاعًا عن الحق.
  • هذا الموقف يمثل خيارًا بين الذل والكرامة، وبين البقاء في الظلم أو المقاومة.

رابعاً: أهداف الثورة

  • سلب شرعية الطغاة عبر فضح ممارساتهم وبيان فساد حكمهم.
  • استنهاض الأمة وتحريكها من سباتها لإعادة النظر في قيمها ومواقفها.
  • استمرار المواجهة مع الباطل، فالثورة لم تكن حدثًا عابرًا بل بداية مسيرة مستمرة.

خامساً: الثورة ومستقبل الأمة

  • الثورة تحث الأجيال على أن لا ترضى بالظلم وأن تبقى حية في الوعي والرفض.
  • الإمام الحسين يمثل النموذج الأعلى للمقاومة الأخلاقية والسياسية.

النقطة الرابعة: الأبعاد الفقهية لثورة الإمام الحسين عليه السلام

أولاً: مسؤولية الفرد والجماعة

  • الفقه الإسلامي يوضح أن لكل مسلم مسؤولية تجاه إصلاح المجتمع، لا يمكن تحميلها فقط للنخب أو القادة.
  • المشاركة الفاعلة واجبة لكل مسلم لتحقيق العدالة والحق.

ثانياً: الثبات على المبادئ

  • الثورة تركز على ثبات الإنسان المسلم على المبادئ والقيم حتى في أصعب الظروف.
  • هذا الثبات هو حجر الزاوية في بناء مجتمع صالح.

ثالثاً: المشروع الإسلامي الشامل

  • ثورة الإمام الحسين ترسم صورة مشروع إسلامي لا يقبل الظلم بأي صورة، ويطالب بالعدل في كل مجالات الحياة.
  • الالتزام بهذا المشروع يتطلب من الفرد استشعار المسؤولية والذوبان في المبادئ الإسلامية.

النقطة الخامسة: الذوبان في الإسلام كأساس للعمل والتغيير

أولاً: معنى الذوبان في الإسلام

  • الذوبان هو الانتماء الكامل والالتزام الحي بالقيم والمبادئ الإسلامية.
  • يعني التضحية بالنفس والعطاء المستمر في سبيل نشر الحق والخير.

ثانياً: دور المرجعية الصالحة

  • كما يؤكد الشهيد الصدر، الذوبان الحقيقي يتطلب وجود مرجعية صالحة تقود الأمة بحكمة وعزم.
  • المرجعية تعمل كحاضنة للأمة توجهها نحو الصواب وتحثها على العمل الجماعي.

ثالثاً: الذوبان كقوة اجتماعية

  • الذوبان في الإسلام يخلق تلاحمًا اجتماعيًا وقوة جماعية قادرة على مواجهة التحديات.
  • هو مصدر للإصرار والثبات في سبيل التغيير.

ثورة الإمام الحسين عليه السلام تمثل نموذجًا خالدًا لدعوة الأمة الإسلامية إلى الإصلاح، والتمسك بالمبادئ، والمواجهة الشجاعة للظلم والفساد.
علينا أن نعي أن مسؤوليتنا ليست نظرية فحسب، بل تتطلب العمل والصبر والتخطيط الحكيم لتحقيق التغيير المستدام في مجتمعنا.
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قیم هذا المقال!

اترك تعليقاً

  • ×