تجربته التحقيقية الفريدة، كتاب تمام نهج البلاغة
تجربته التحقيقية الفريدة، كتاب تمام نهج البلاغة
بمشاركة:سماحة السيد صادق الموسوي.
التغطية المصورة:
التغطية الصوتیة:
التغطية المكتوبة:
استضاف منتدى السيدة المعصومة (ع) الثقافي بمدينة قم المقدسة، وضمن برنامج الملتقى الأسبوعي سماحة السيد صادق الموسوي (مؤلف كتاب: تمام نهج البلاغة) بتاريخ 19 ديسمبر 2024 متحدثا حول تجربته التحقيقية في كتاب: تمام نهج البلاغة.
وهنا تلخيص لما تفضل به سماحته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد سيد النبيين وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقه قولي.
كلمة تمهيدية
حقيقة لابد من كلمة تمهيدية حتى نستطيع الدخول إلى الموضوع وهو العمل التحقيقي في نهج البلاغة والذي أدى إلى تمام نهج البلاغة.
كثيرون يعرفون مظلومية علي بن أبي طالب، ولكن كثيرون لا يعرفون مدى مظلوميته، الإمام علي عليه الصلاة والسلام له جملتان:
جملة يقول فيها: ما زلت مظلوما منذ ولدت.
وجملة أخرى يقول فيها: ما زلت مظلوما منذ قبض الله نبيه صلى الله عليه واله وسلم.
الكلمة الأولى تعني المظلومية الشخصية كشخصه، بحيث قال ع ذات مرة ما مضمونه: كان بأخي عقيل رمد، فكان لا يقبل أن يوضع له الدواء إلى أن يوضع في عيني قبله، وليس بيّ رمد.
أما المظلومية ثانيا فهي مظلومية الحق، ما زلت مظلوما منذ قبض الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
إذا تعمقنا وصرنا مع الامام عليه السلام في مرحلة ما بعد استشهاده، فمرحلة ما بعد الاستشهاد كانت المظلومية أكبر، فقد وضعت مناقب كاذبة لأعدائه، وحذفت فضائل له من الكتب.
حتى بلغ الحال كما يصوره هو عليه السلام: أنزلني الدهر ثم أنزلني ثم أنزلني حتى قيل علي ومعاوية.
في هذا الواقع لابد أن نخطو ما أمكننا من خطوات من أجل رفع ذرة من الظلامة عن أمير المؤمنين ع، وإذا استطعنا أن نساهم في رفع ذرة من هذه المظلومية فلنا عند الله أجر عظيم.
نهج البلاغة والشريف الرضي
حقيقة كلنا نعلم ونسمع ونطلع على نهج البلاغة الذي ألفه الشريف الرضي رضوان الله عليه في العام أربعمائة هجري.
وكان المشهور عن نهج البلاغة بأنه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، وكنا نباهي به الأمم، وحق لنا ذلك، ولكن لابد أن نلتفت إلى أن الشريف الرضي رضوان الله عليه في مقدمة نهج البلاغة شرح بالتفصيل الملابسات التي أدت إلى تأليف نهج البلاغة، حيث إنه كان مقصوده بيان خصائص الأئمة، وبدأها بخصائص أمير المؤمنين، ثم طلب منه بعض الأصدقاء أن يفرد الفصل الخاص بأمير المؤمنين ع.
وهو في نهاية المقدمة يقول وضعت في آخر كل فصل صفحات بيض حتى إذا وجدت شيئا يناسب المقام أضفته، يعني أنه لم يعلن انتهاء العمل، لم يغلق الباب أمام نهج البلاغة، ولكن ما صدر منه اشتهر بالآفاق وصار على كل لسان.
كثير من الشراح والمفسرين بذلوا الجهد المبارك في هذا المجال وخاصة من المخالفين كابن أبي الحديد والوبري والبيهقي والصالح وعبده، الذين اشتهروا في العمل على نهج البلاغة.
إعادة النظر في بيان شخصية أمير المؤمنين
ولكن الشيء المهم هو أنه نحن في عصرنا الحاضر نريد أن نطلع على شخصية الإمام علي ع، لماذا؟ لأنه لمّا تصرف ملايين وعشرات الملايين من أجل فيلم “عمر” أو ما يفكرون فيه الآن فيلم “معاوية”، وأيضا جبل في الإمارات أو في السعودية سموا جبلا باسم جبل عمر، إلى هذا الحد هناك محاولات لرفع آخرين وتخفيض من شخصية الإمام علي عليه الصلاة والسلام.
هذه الأيام كلنا نشاهد الفيديوهات التي تنتشر من قبل الذين دخلوا دمشق بأية لغة يتكلمون؟ يتكلمون عن عودة بني أمية، عودة معاوية وإلى آخره.
فأمام هذا الواقع هناك تكليف مضاعف بأن نواجه هؤلاء الوقحين بتبيان شخصية الإمام عليه السلام أكثر، لأنه إذا ترك المجال لهؤلاء وإذا توانينا في بيان شخصية الإمام عليه الصلاة والسلام فإن الأبواق المضادة ستعمل، والإمكانات عندهم والساحة مفتوحة لهم، وبالنتيجة يمكن أن نصل إلى مرحلة يجب أن نقول بأن عليا كان يصلي.
عبارة مهمة جدا من معاوية لمّا جمعهم عثمان في الحج قبل مقتله فقال له معاوية إن في الشام مائة ألف يأخذون العطاء، لا يعرفون عليا وقرابته.
هذا الواقع لابد أن نقرأه بدقة، هذه مرحلة تاريخية، ليست يوما أو يومين أو سنتين، بل عقود وقرون، إلى درجة أن خطيب الجمعة إذا أنهى خطبته ولم يسب عليا ثم تذكر فإنه يعود إلى المنبر ويعتذر ويسب ثم ينزل.
نحن مطالبون بالتحرك الجاد وبذل جهد مضاعف لبيان حقيقة أمير المؤمنين ورفع الظلامة عنه عليه الصلاة والسلام.
شخصية الإمام علي في نهج البلاغة
شخصية الإمام عليه الصلاة والسلام في نهج البلاغة شخصية مقطعة، بعض نهج البلاغة خطب، وبعضه من كلام له، وبعضه رسائل، وتكوين الصورة عن الشخصية من خلال نص مقطع لا يتم بشكل صحيح.
مثلا أنا أتكلم أمام السادة العلماء من بداية متسلسلة حتى النهاية، فإذا قطع الكلام من أوله ووسطه وآخره فلا يمكن للمخاطب أن يكوّن صورة صحيحة عن فحوى الكلام.
وكذلك كلام الإمام عليه الصلاة والسلام لما كان يرقى المنبر أو يلقي كلمة فكان يخطر في ذهنه مفهوما أراد أن يبينه أن ينقله إلى المخاطب من خلال كلمة أو خطبة، فاذا كان المخاطب لا يعرف الكلام من أوله إلى آخره فلن يعرف حقيقة المقصود.
بذور كتاب تمام نهج البلاغة
في أول مؤتمر لنهج البلاغة في حسينية الارشاد في طهران قبل حوالي أربعين سنة أنا كنت حاضرا من قبل مكتب الإمام الخميني لأني كنت عضوا في المكتب آنذاك، ولأن حسينية إرشاد كانت قريبة جدا أيضا من منزلي، فذهبنا وشاركنا وكنت إلى جانب سماحة الإمام الخامنئي، بذاك الوقت كان رئيس الجمهورية، وافتتح المؤتمر برسالة من الإمام الخميني رضوان الله عليه، منشورة على الانترنت، ثم الإمام الخامنئي هو الذي ارتقى المنبر وطرح فكرة أننا أمام نهج البلاغة، وهو من كلام الإمام عليه الصلاة والسلام، وقال بأن ما ورد في نهج البلاغة حتى العرب اليوم ليسوا بمستوى البلاغة التي كانت في المراحل الماضية في أيام الشريف الرضي، وكثير من الناس لا يفهمون من تلك البلاغة شيء، وقال بأننا نحن الإيرانيون نتكلم الفارسية، فلا نفهم شيئا من تلك البلاغة، لأن أمامنا ترجمة نهج البلاغة وليس نهج البلاغة، وهذه ليست لها أي علاقة ببلاغة الإمام التي وردت في كلامه، فعلى اصحاب الهمم العالية، هكذا قال، أن يحاولوا الكشف عن الفقرات التي لم ترد في مكان واحد، ويمكن أن تكون في مكان آخر من نفس نهج البلاغة، يعني في ضمن بعض الفقرات التي لم يوصلها ببعضها الشريف الرضي، وهذا موجود، الذي يتابع يعرف، وقد يجدها أيضا في أماكن أخرى في مصادر أخرى.
أنا كنت موجودا بين الحضور فاستحسنت الفكرة، ولكن لم أتصور يوما أن هذا التوفيق من نصيبي، وكانت المشاغل كثيرة خصوصا في أجواء لبنان والمنطقة في أيام حياة الإمام الخميني رضوان الله عليه.
بعد سنتين من هذا وفي جلسة سألت سماحة السيد الخامنئي الذي كان رئيس بنياد نهج البلاغة، فسألته أن هذه الفكرة التي طرحتموها صار شيء فيها؟ فأجابني بعبارة قاسية بأن الكلام دخل من هذه الأذن وخرج من الأخرى.
ظلت الفكرة في بالي إلى أن جاءتني فرصة، وكان في اعتقادي أن هذا العمل يتطلب بين ستة أشهر إلى سنة، وبجهد شخصي بدأت بالعمل، وكانت الخطوة الأولى طبعا الحصول على المصادر، وخاصة في ذلك الوقت لم يكن الأمر سهلا، عدد المصادر في النسخة الأولى تسعة وعشرين مصدرا، ولكن امتازت الطبعة الأخيرة بأنها دمجت أربع شروح كبار لعلماء السنة الوبري والبيهقي ومحمد عبده والصالح، دمجتهم في شرح واحد، وأهل التحقيق يعرفوا بأن لكل عصر آداب كتابة خاصة به، فدمج هذه الشروح بشكل يصبح نصا واحدا يحفظ لكل حقه عمل صعب.
بالإضافة إلى اختلاف النسخ، ونحن قابلنا حوالي سبعة عشر نسخة مخطوطة أو مطبوعة تشبه المخطوطة من حيث القدم.
تمام نهج البلاغة يرى النور
طبع هذه النسخة كان وقعه قويا في الأوساط العلمية، لأنه لأول مرة في العرف الآخوندي تُمسُّ نسخة الشريف الرضي من حيث الترتيب والتبويب وغيره، ولكن أنا في المقدمة وعدت بأن هناك نسخة أخرى توجد فيها المصادر، وفعلا بعد انتشار هذه النسخة المشروحة عملت على النسخة الموثقة الجامعة للمصادر، وقد طبعت وانتشرت في طهران.
الطريف في الأمر كيفية إعلان هذا الكتاب بأنه كتاب العام، أقول لكم ذلك حتى تعرفوا كيف تتيسر الأعمال رغم صعوبتها.
مؤسسة نهج البلاغة في نفس الشارع الضيق الذي ينتهي إلى السفارة اللبنانية، كنت ذاهبا لأخد فيزا إلى لبنان، وكنت دائما أذهب إلى مؤسسة نهج البلاغة أكلف الذي يجلب الشاي بأنه هو يجلب الفيزا من السفارة، وعلى نفس العادة ذهبت فرأيت هناك حركة غريبة، تبين أن الأستاذ دين فرور عنده مقابلة على الراديو مباشرة، لم أكن أعرف ما هو الموضوع، في هذه الأثناء جاء دين فرور وقال لي: سيد صادق أنا أبحث عنك في السماء وأجدك على الأرض، قال لي تعال معي، قلت ما الأمر؟ قال بعد غد يفتتح مؤتمر نهج البلاغة، وكنا نريد نعلن عن كتاب المؤتمر الكتاب العام للمؤتمر، وأحتاج إلى بعض المعلومات، على عجالة أعطيته بعض المعلومات وذهب مباشرة بثها على الراديو، وكانت النسخة الثانية لا تزال في التجليد، يعني بعد اللتيا والتي حصلنا على بعض النسخ وبافتتاح المؤتمر توفر عدد من النسخ.
المهم في المجلس طُرح من قبل المرحوم الشيخ محمد علي التسخيري أنه لابد أن تصل نسخة إلى سماحة القائد حفظه الله، وتهيأت الأمور وذهبت، كان يوم الاثنين، وكان اللقاء خاص تقريبا، والطريف في الأمر أنه لمّا الشيخ محمد علي بلّغ سماحة القائد أن السيد صادق قام بالعمل الكذائي فسألني سماحة القائد بالفارسية متعجبا: آقا سيد صادق اين خطبه تونستى بيدا كنى؟ ما معناه أنك يا سيد صادق بعد هذه المدة تمكنت من تحقيق ما تمنيته!
قلت له نعم، وكان الجو جيدا جدا.
في اليوم الثاني اتصل بي الشيخ محمد وقال بأننا نريد أن نشتري ألف نسخة من الكتاب، اشترى سماحة السيد القائد ألف نسخة ووزعها بيده على العلماء.
ولذلك لما رأيت المرحوم السيد رئيسي في اليمن فقال لي: أنت لا تعرفني ولكن أنا أعرفك، لأنني استلمت نسخة من كتابك من يد سماحة القائد، وكثير ممن التقوا بي قالوا مثل هذا الكلام.
تطوير تمام نهج البلاغة
المهم بعد انتشار الطبعة الأولى قال لي أحد الفضلاء في طهران: يا سيد صادق أنت بلغت هذه المرحلة، وغيرك لن يستطيع أن يكمل، فأكمل وضع بين أيدينا نسخة فيها مصادر وأسانيد خطب نهج البلاغة.
فعملت على ذلك وكان عدد المصادر تسعة وعشرين في النسخة الموثقة ثم صار مائة وواحد، وأما النسخة المسندة ذات الثمانية أجزاء فبلغ عدد مصادرها سبعمائة وسبعين مصدرا.
وأهل التحقيق يعرفون بأن الحصول على مصادر كل ما تقدم العمل كان أصعب وأصعب.
في هذه النسخة كنت دقيقا إلى حد أنني إذا وجدت في مصدرين سلسلة رواة واحدة ووجدت اختلافا في اسم احد الرواة ولم يحصل عندي يقين بأنه من خطأ النساخ أو الطباعة فإني أنقل السندين معا، حتى لا يأتي أحد ويقول بأنه لم تكن هناك أمانة في النقل، وبعض الأحيان تكون عشرين أو خمسة وعشرين صفحة عدد المصادر والأسانيد فقط.
ثم قال بعض الأخوان بأن كثرة الأجزاء لا تحقق استفادة عامة للناس، فالأسهل لعموم الناس هو كتاب واحد يجمع المتن، وأما الأسانيد فهي لأهل التحقيق، فلابد من وجود طبعة جديدة تكون ذات مجلد واحد للتداول العام.
استحسنا الفكرة، وأعطيت مثالا لبعض الأخوان لكتاب أقرب الموارد في اللغة، فإنه قليل الجدوى بسبب تعدد مجلداته، بينما لو كان ذا مجلد واحد لسهل تداوله، بينما كتاب المنجد حيث كان مجلدا واحدا فإنه ذاع وانتشر بسبب سهولة البحث في مجلد واحد.
وبالنتيجة أصبح الآن بين أيدينا نسخة فيها ألف ومائتين مصدرا، وهنا خارج الجو السياسي أريد أن أذكر شاهدا، لمّا كان السيد خاتمي رئيس الجمهورية وهو كان مطلعا على العمل في تحقيق نهج البلاغة، فلما قلت له أن عدد المصادر بلغ أربعمائة قال لي بهذه العبارة: أنا كنت عشر سنوات وزير إرشاد وأربع سنوات رئيس المكتبة الوطنية ما عندي علم أن هناك كتاب علمي يستند إلى أربعمائة مصدر، والجميع يعرف طبعا أنه ملم بالأمور الثقافية بغض النظر عن الآراء السياسية.
فكيف يكون الأمر وقد بلغت المصادر في الأخير ألف ومائتين؟
خصائص تمام نهج البلاغة
المهم، استطعنا بحمد الله أن نسد كل الثغرات:
أولا: لم يعد ما ورد في نهج البلاغة مرسلا.
ثانيا: زال التقطيع، فبدل أن يكون: من خطبة له، صار: خطبة له عليه السلام.
ثالثا: الترتيب الموضوعي، له تأثير كبير في سهولة فهم المطلب كما يقال بالحوزة، مثلا الخطبة الأولى للإمام عليه السلام هي التوحيد ثم ينتقل إلى مسائل أخرى، خطبة التوحيد الثانية تقع في العدد تسعين أو واحد وتسعين حسب اختلاف الترقيم، وفي حالات كثيرة الشريف الرضي يذكر شيئا ثم يأتي بفاصل كبير.
المهم الترسيم الموضوعي والأهم من ذلك الترتيب التاريخي، لأن الإمام عليه السلام من الطبيعي لما يتكلم يأخذ بعين الاعتبار المخاطب أو المخاطبين والظرف الذي يتكلم فيه وكيفية بيان مقصوده وانتقاء العبارات، حتى في القرآن الكريم في آيات الأحكام تجد سهولة في التعبير بالمقارنة مع آيات المعارف، مثلا الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة.
فالإمام أيضا لما يتكلم ففي كل مكان وزمان يأتي بما يناسبه من ألفاظ ومضامين، سواء كان ذلك لعموم الناس أم لبعض الخواص، مثلا بعض الأحيان يقول الإمام لشخص: ويحك، وبعض الأحيان يقول: ويلك، ولثالث يقول: ثكلتك أمك.
إذا لم يكن هناك وضوح في السياق من حيث التسلسل التاريخي والمخاطب بهذا الكلام فستكون هناك صورة مشوشة عن شخصية الإمام عليه السلام.
أذكر لكم قصة، كنت ذاهبا إلى الكويت ودعيت للقاء رئيس السلفيين قبل الأحداث الأخيرة، ولديه أربعة كتب ضد الشيعة، كان اسمه الشيخ عبد الرحمن ولا أذكر اسم العائلة حاليا، وكان المتوقع أن يسود جو من التراشق والسلبية، ولكن صار الجو محبة ومودة ولما أردت الخروج سألني: خطبة الشقشقية هل لها مصادر؟ ما قلت له نعم، بل قلت لا، فقال أنقذتني، لأني كنت أريد أكتب كتابا في التشكيك في هذه الخطبة، ولكن الآن سأتوقف.
لاحظوا أنه من المهم جدا أن نعرف ظرف صدور الخطبة الشقشقية، بل هي ليست خطبة، وإنما رد فعل حينما دخل المسجد ووجد جماعة يتحدثون حول الخلافة وأن الحروب أصبحت بين المسلمين بعد أن كانت مع الروم وغيرها، فبدأ الإمام الكلام بلا بسملة ولا حمد وثناء، حتى يوضح ملابسات الخلافة ويرفع اللغط القائم، فالبعض قد لا يلتفت إلى هذه الظروف.
نشر شخصية أمير المؤمنين في العالم
نحن الآن في ظروف معقدة، ومراجع قم يريدون أن يكون نهج البلاغة مستندا عند الجميع، وأن ننشر كلام أمير المؤمنين للعالم كما انتشر القرآن الكريم للعالم.
هل تعلمون كيف نشرت السعودية المصحف بخط عثمان طه؟ طبعوا منه ملايين النسخ ووزعوها على كل حاج أو معتمر في وقت خروجه من السعودية، وعلى مدى عشرين سنة صار المصحف الذي طبعه فهد متداولا في جميع أنحاء العالم، وحتى المصاحف الإيرانية وإن احتوت على تغيير طفيف إلا أنها مبتنية على خط عثمان طه.
فمن أجل رفع الظلامة عن علي بن أبي طالب عليه السلام يجب أن ينتشر كلامه في كل مكان، وأن ندخل ذكر علي ع في كل دار، فحتى عند اخواننا أهل السنة هو الخليفة الرابع، وله مقام عالي بين صحابة النبي ص.
أنا تجربتي في هذا المجال على قدر إمكانياتي كانت جدا ناجحة، تصوروا أخوتي الأفاضل وفقط أذكر نموذجين حتى يتضح الأمر، لما كنت موجودا بالصدفة في الولايات المتحدة للتبليغ، وكانت تلك الأيام مناسبة الغدير فأحد الأصدقاء الإيرانيين رتب لي بصعوبة موعدا مع الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي مون، وكان الموعد المقرر لا يتجاوز 10 – 15 دقيقة.
وصلنا إلى مبنى الأمم المتحدة، ونحن نصعد إلى المكان قال مراسل وكالة الأنباء الإيرانية بأني منعت من إدخال الكاميرا، ولكن أحد الأخوة كان معه هاتف جديد وكاميرته جيدة فجهزها للتصوير، وكان معنا ممثل إيران في الأمم المتحدة وهو بالطبع يعرف البروتوكولات داخل أروقة الأمم المتحدة، فتصوروا أننا لما وصلنا إلى الطابق الثامن والثلاثين صدمنا، حيث استقبلنا سبعة أو ثمانية من معاوني الأمين العام، وبدون أن ندخل غرفة الانتظار دخلنا مباشرة على الأمين العام، بل وهو بنفسه استقبلنا على باب القاعة وقال بالفارسية: خوش آمديد [أهلا وسهلا]، ورديت عليه بالانجليزية: we welcome [نرحب بك].
أخذنا صورة تذكارية مع الأمين العام، ولما جاء ممثل بعثة إيران ليصطف أبعده الأمين العام، وأخذنا صورة لوحدنا، ثم الصورة الثانية اصطف فيها الممثل ومعاوني الأمين العام وهم بأنفسهم صورونا بكاميرات الأمم المتحدة ثم بعثوا لنا الصور.
فوجئت بأن الأمين العام سحب لي الكرسي من تحت الطاولة وقال لي تفضل اجلس، وجلس على الكرسي المقابل لي، طبعا تعرفون البروتوكولات السياسية بأنه لا يجلس المسؤول إلا في مقابل نظيره لا من هو أدون منه رتبة.
جلب الأمين العام معه مذكرة وتحدث عن شخصية وعظمة الإمام علي ع ودار الحديث بيننا حوالي نصف ساعة، وحين الخروج رافقنا إلى قريب المصعد مع أن البروتوكول مرافقة الضيف إلى باب القاعة فقط.
وفي اليوم التالي نشرت الجريدة الرسمية للأمم المتحدة الخبر والصور في صفحتها الرئيسية.
بل بعد ثلاثة أو أربعة أيام بعث الأمين العام رسالة رسمية من الأمم المتحدة تحمل توقيعه يشكرني فيها على اللقاء، وهذا أيضا غير متعارف، فأنا من ذهبت لزيارته والمفروض أنا من يرسل شكرا على الزيارة، ولكن هكذا حصل.
وقال في الرسالة أيضا: أوعزت بأن يوضع كتاب تمام نهج البلاغة في مكتبة الأمم المتحدة.
طبعا اشتهر بأن عهد مالك الأشتر مسجل في مكتبة الأمم المتحدة، ولكني حينما تابعت الموضوع مع ممثل إيران في الأمم المتحدة قال لي بأنه لا يوجد أثر للعهد في مكتبة الأمم المتحدة.
ولما ذهبت إلى باريس والتقيت بممثل إيران في اليونسكو طرحت نفس الفكرة أي نسخة من عهد مالك توضع في المكتبة، فقال نعم طرحوا علينا الفكرة ولكن رئيس منظمة اليونسكو وحدة إيطالية شيوعية لا تعترف بالله.
وهم يقولون بأننا إذا فتحنا العلاقة بالأمور الدينية في هذا الدين فسيأتي أصحاب الأديان الأخرى ويطلبون ذلك أيضا، وبالنتيجة هم سدوا هذا الباب كليا.
ولكن اتضح في الأخير بأن الموجود في مكتبة الأمم المتحدة هي ترجمة انجليزية لعهد مالك الأشتر، كان قدمها ممثل إيران إلى الأمين العام كهدية على هامش أحد المؤتمرات.
المهم الآن نحن أمام هذا الواقع، نرى بأن هناك فرصا متاحة، ولكنها تحتاج إلى همة عالية، والهمة العالية تحتاج إلى حوافز.
أنا برأيي يجب أن نوجد في أنفسنا وفي من نعرفه حوافز من أجل أن ننشر كلام الإمام علي بعد إزالة الشوائب التي كانت تطرح من قبل الموالين والمعادين، فننشره حتى يصبح كالقرآن الكريم لا يخلو منه بيت، لأن ذكر علي عبادة، فكلام علي عبادة.
قالوا في تمام نهج البلاغة
على كل حال النص موجود، سماحة آية الله جوادي آملي يقول بصراحة: لا نستطيع أن نفهم كلام علي ع إلا من خلال تمام نهج البلاغة، ولا يجوز أن يطرح بعد الآن نهج البلاغة في الحوزات ولا الجامعات، لأنه مبتور الأول والوسط والآخر، وهو قال لي: أنا أقول هذا الكلام من اطلاع تام على نهج البلاغة وشروحه، وأنا خجل من كتاب نهج البلاغة، لأنه لا يحكي شخصية الإمام علي ع الحقيقية، ونهج البلاغة الحقيقي هو تمام نهج البلاغة، ويجب أن يكون كتابا درسيا في الحوزات.
سرّ التوفيق لتمام نهج البلاغة
المهم، أنا مرات كثيرة جدا فكرت في نفسي، من أنا حتى أُعطيت هذه المهمة العظيمة!! وحقيقة لم أجد جوابا لذلك، وإنما أقنعت نفسي بأن الله تعالى يختص برحمته من يشاء.
أذكر حالة حدثت معي شخصيا حينما قرر الاخوان المعنيين بمسجد الكوفة وضع نسخة من كتاب تمام نهج البلاغة في محراب الإمام علي ع في مسجد الكوفة دعوني فلما فتحوا الباب ودخلت لا أستطيع أن أصف تلك الحالة، وقفت في المحراب وصليت ركعتين وأنا أشعر بأن قدميّ مكان قدميّ علي بن أبي طالب، وسجدت وأشعر بأن مسجدي هو في مكان سجود علي بن أبي طالب، حالة غير قابلة للوصف.
حينما كنت في المحراب تجسدت أمامي تمام مظلومية أمير المؤمنين.
بعد ذلك ذهبت إلى النجف ووقفت عند رأس الإمام وخاطبته فقلت: يا أمير المؤمنين، الفخر الذي حصلت عليه لن يحصل عليه أحد، في الدنيا صار اسمي مرتبطا باسمك، واسمك باسمي، وهذا فخر لا يصل إليه أحد، أما في الآخرة فأنا متأكد في صحراء المحشر لن تتعامل معي بأقل مما تعاملت به مع الأسير والمسكين واليتيم الذين تصدقت عليهم.
شخصية الإمام علي بلا تقطيع
على كل حال، هناك صورة نمطية عن الإمام علي ع في أذهان المسلمين في بداية حكومة الإمام علي ونهايتها، والحروب الطاحنة في وسطها، يتخيل المرء بأنه لم يبق مع الإمام علي أحد ع، ولكن في خطبة الجهاد وهي خطبة طويلة يقول نوف: جمع علي تحت منبره بهذا عشرة آلاف بقيادة أبي أيوب الأنصاري، وعشرة آلاف بقيادة قيس بن سعد، وعشرة آلاف بقيادة الحسين عليه السلام ولغيره بأعداد أخر.
يعني حوالي أربعين ألفا، أراد العودة بهم إلى صفين، وكان هذا الإعداد بعد حرب النهروان وخروج الخوارج، فاستطاع الإمام بين النهروان وبين هذه الخطبة أن يعيد ترتيب البيئة الكوفية التي كان يخطب فيها، وجمع في خطبة واحدة حوالي أربعين ألف شخص يريد العودة بهم إلى صفين أي إلى قتال معاوية، فكيف استطاع أن يرمم الواقع؟ هذا موضوع مهم جدا، ولكن بسبب التقطيع لا يتضح.
أما بعد زوال التقطيع نستطيع أن نطلع على شخصية الإمام علي ع بوضوح ونطلع على معجزاته وعلى تعامله مع الآخرين من الموالين والمخالفين، وخاصة في خطبة البيان، خطبة البيان حقيقة خطبة البيان.
مع الأسف بعض التشكيكات فيها ناتجة من التقطيعات، بينما هي خطبة كاملة.
أمير المؤمنين ع وصل إلى مرحلة أن يكرر عبارة سلوني قبل أن تفقدوني بصياغات مختلفة، حتى نفدت الأسئلة من الناس، يجب أن نعرض هذه الجهة العلمية من شخصية أمير المؤمنين، الغرب يملك الناس بالعلم والتكنولوجيا، يجب أن نبين الجانب العلمي في شخصية الإمام علي، ولا نقصر شخصية الإمام علي ع في شخصية المقاتل الذي بيده السيف.
المهمة الأولى كانت لأمير المؤمنين ع الهداية بالمنطق والحجة، وخاطبه النبي ص: لئن يهدي الله بك خير لك مما طلعت عليه الشمس.