» 2025 » اليوم الثاني – حقيقة الانتصار
2025 - محرم 1447 هـ

اليوم الثاني – حقيقة الانتصار

28 يوليو, 2025 30202

حقيقة الانتصار

مع سماحة العلامة الشيخ حسين المعتوق.

التغطية المصورة:

 

التغطية الصوتية:

 

التغطية المكتوبة:

 

الموسم العاشورائي – محرم الحرام 1447 هجري
محاضرة اليوم الثاني تحت عنوان: حقيقة الانتصار.

 

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين…

نبدأ حديثنا بالسلام على رسول الله وعلى أهل بيته، وعلى الحسين الشهيد الذي وقف في وجه الطغيان، وبذل دمه الطاهر من أجل حفظ الدين وإحياء ضمير الأمة. وسلامٌ على من سار في دربه، ووعى رسالته، ووقف في صف الحق.

النقطة الأولى: تحديد المفاهيم – مفتاح الفهم الصحيح

قبل أن نتحدث عن “النصر”، علينا أن نُحدد معناه بدقة. كثير من المصطلحات التي نتداولها – كالنصر، الحرية، المقاومة – تحمل معاني متعددة، وقد يختلف الناس حول مدلولها، مما يجعل النقاش مضطربًا.

ضربنا مثالًا بمفهوم الحرية، والتي تُفهم بثلاثة معانٍ رئيسة:

أولاً: الحرية القانونية: تعني حق الاختيار ضمن ضوابط العقل والشرع.

ثانياً: الحرية المادية: هي إزالة الأغلال والقيود، كخروج السجين من محبسه.

ثالثاً: الحرية الروحية: التحرر من التبعية للناس والهوى، وهو المعنى الأسمى.

إذا لم نتفق على المفهوم، سنظل نختلف في النتائج. وكذلك الحال مع النصر.

النقطة الثانية: النصر – بين المعنى الظاهري والعمق الواقعي

عند الحديث عن النصر، يجب أن نعرف أن له أوجهًا عديدة، وليس محصورًا في الانتصار العسكري. من هذه الأوجه:

  • نصر عسكري: تفوق في ميدان القتال.
  • نصر سياسي: تقدم في التأثير على القرار العام.
  • نصر اجتماعي: تنامي الوعي ورفض الظلم بين الناس.
  • نصر عقائدي: ترسّخ الحق وانكشاف الباطل.

وبهذا، فإن غلبة الباطل على الأرض لا تعني هزيمة الحق. فـ”الدم ينتصر على السيف” ليس شعارًا عاطفيًا، بل حقيقة تاريخية تتكرر.

النقطة الثالثة: قاعدة مهمة في الصراع بين الحق والباطل

كلما تقدم الحق، اشتد عداء الباطل له. فإذا رأيت أن أعداءك يهاجمونك، فاعلم أنك على الطريق الصحيح. أما إن تركك الباطل وشأنك، فهذا مؤشر خطير على أنك لا تمثل تهديدًا له.

النصر لا يعني الراحة أو غياب الفتن، بل على العكس: النصر يجلب معه تحديات جديدة، تحتاج إلى المزيد من الحكمة والقوة واللياقة في التعامل.

النقطة الرابعة: ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) نموذج حيّ للنصر الواقعي

الإمام الحسين (ع) لم يخرج ليقاتل فقط، بل كان يحمل مشروعًا إصلاحيًا. ويمكن تلخيص أهدافه في ثلاثة أمور:

الهدف الأول: نزع الشرعية عن يزيد

رفض الإمام الحسين البيعة ليزيد، لأنه أراد أن يُبيّن للأمة أن يزيد لا يمثل الإسلام، وأنه لا يجوز الخضوع لحاكم ظالم طاغٍ. وقد تحقق هذا الهدف منذ اللحظة التي قال فيها: مثلي لا يبايع مثله.

الهدف الثاني: استنهاض الأمة

خرج الإمام ليوقظ ضمير الأمة، وهذا الاستنهاض لم يكن فوريًا، بل كان تدريجيًا، وبدأت آثاره بالظهور بعد شهادته، كما في حركة التوابين وواقعة الحرة وغيرها.

الهدف الثالث: استمرار حالة المواجهة

الدماء الزكية التي سُفكت في كربلاء لم تكن نهاية، بل كانت بداية لحركة مقاومة لم تنتهِ حتى سقوط الدولة الأموية، واستمرت آثارها حتى يومنا هذا.

النقطة الخامسة: النصر من خلال تراكم الوعي

بعد الثورة الإسلامية، وخاصة بقيادة الإمام الخميني (قده)، تغير وعي الأمة:

  • قبل الثورة: سيطرت ثقافة اليأس والخنوع، وكان يُقال: “السياسة نجاسة”، وكأن لا علاقة للمتدينين بصناعة القرار.
  • بعد الثورة: ظهرت حركة شعبية واعية، وبدأت الأمة تستعيد ثقتها ودورها التاريخي.

هذا التحول هو انتصار حقيقي، فحين تنهض الشعوب وتعي دورها، فإن هذا أكبر من نصر عسكري لحظي.

النقطة السادسة: التضحيات لا تُناقض النصر

علينا أن نُدرك أن وجود الشهداء والتضحيات لا يعني فشل المشروع، بل هو علامة الإخلاص وصدق الطريق.
قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ﴾
فمن يضحّي بنفسه في سبيل الله، هو في قمة النصر.

أصحاب الحسين (ع) يوم عاشوراء فهموا هذه المعادلة، لذلك لم يفروا، بل ثبتوا وقالوا: لو قُتلنا ثم أُحيينا، ثم قُتلنا، لما تركناك يا حسين.”

النقطة السابعة: الإمام زين العابدين (عليه السلام) وزينب (ع) – دور ما بعد المعركة

حتى بعد المأساة، استمر النصر. الإمام زين العابدين (ع) والسيدة زينب (ع) حملا لواء الكلمة والموقف، وواجها الظلم في الكوفة والشام.

ذلك الشيخ الشامي الذي بكى بعد أن وعى من هو الإمام زين العابدين، يمثل صورة من صور انتصار الكلمة بعد المعركة.

النقطة الثامنة: النصر لا يعني غياب المنافقين

وجود المنافقين والشبهات والاضطرابات الفكرية لا يعني أن الأمة في حالة تراجع. فهذه طبيعة الصراع البشري.

الأنبياء أنفسهم لم ينجحوا في تغيير جميع مجتمعاتهم، لكنهم زرعوا بذورًا نمت وأثمرت لاحقًا.

النقطة التاسعة: اليوم… الحسين لا يزال ينتصر

اليوم، مسيرة الأربعين التي تجمع ملايين الناس هي برهان على بقاء الحسين وانتشاره عالميًا.
وعي الشعوب، ودعم قضايا المظلومين، وتنامي الوعي السياسي، هو كله من ثمار تلك الدماء الطاهرة.

الجمهورية الإسلامية، رغم الضغوط والمؤامرات، باتت نموذجًا في الوعي والتماسك، لا على مستوى المسلمين فقط، بل على مستوى البشرية.

النصر، في فكر أهل البيت، لا يُقاس بلحظة أو بمعركة واحدة.
بل هو سيرٌ مستمر نحو الحق، وتضحيات متواصلة، ومواجهة دائمة مع الباطل، وتراكم للوعي في الأمة.

الحسين انتصر، لأنه غيّر التاريخ، وأيقظ الضمائر، ووهب للأمة معيارًا للكرامة لا يموت.

قیم هذا المقال!

اترك تعليقاً

  • ×