وقفة تحليلية مع نداء الإمام الخامنئي للحوزة العلمية
وقفة تحليلية مع نداء الإمام الخامنئي للحوزة العلمية
بمشاركة:سماحة العلامة الشيخ حسين معتوق.
التغطية المصورة:
التغطية الصوتية:
التغطية المكتوبة:
استضاف منتدى السيدة المعصومة (ع) الثقافي بمدينة قم المقدسة ضمن برنامج الملتقى الأسبوعي سماحة العلامة حسين معتوق أستاذ البحث الخارج في الحوزة العلمية بقم بتاريخ 22 مايو 2025 في ندوة حوارية تحت عنوان وقفة مع نداء الإمام الخامنئي إلى المؤتمر الدولي بمناسبة مئوية إعادة تأسيس الحوزة العلمية في قم وهنا تلخيص لأهم ما تفضل به سماحته
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على أشرف الخلق أجمعين سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين،
اللهم صلِّ على محمد وآله،
ولعنة الله الدائمة على أعدائهم وظالميهم إلى قيام يوم الدين.
نبدأ أولًا ببيان ما أفاده سماحة الإمام الخامنئي – دام ظله الشريف – في جلسة لا يسع الوقت فيها لنقل كل شيء، لذلك ننتقي أهم المطالب، حتى لا يكون الكلام عامًا مجرّدًا، بل نحاول أن يكون بحثًا علميًا يتناسب مع هذه الجلسة المباركة.
أول مسألة تعرض لها سماحة السيد القائد – دام ظله الشريف – هي: التقدم العلمي، وقدرة الحوزة على إجابة الاحتياجات من خلال الأبحاث العلمية.
نحن في هذه الأيام لدينا حديث سأستعرضه ضمن هذا المجال.
الهدف من طلب العلم يمكن اختصاره بكلمة واحدة: “العلماء ورثة الأنبياء“.
أي أن علماء الدين دورهم مواصلة طريق الأنبياء وطريق الأئمة (عليهم السلام). ولذلك لا بد من فهم متكامل للدين، يمكن من خلاله تطبيق الدين في مختلف مجالات الحياة.
هناك أمور لم نسِر فيها. لا شك، كما قال سماحة القائد، أن الحوزة عريقة جدًا وقديمة جدًا، وأُسست بشكل متين.
التركيز في البحوث العلمية كان، كما هو واضح للجميع، على علمَي الفقه والأصول، وبدرجة أقل كما يقول سماحة القائد، على علم الكلام، وعلوم القرآن، وعلوم الحديث الشريف. هذه تقريبا أكثر العلوم التي تم التركيز عليها في الحوزة العلمية.
هنا لا بد من استعراض مشاكل البحث العلمي التي تحدث عادة مع استمرار وعراقة هذا النوع من البحث.
رغم أن استمرار البحث العلمي أمر مفيد، إلا أنه أحيانًا يؤدي إلى مشاكل. ما هي هذه المشاكل؟
المشكلة الأولى: التضخم العلمي
وهي مشكلة حقيقية، كبيرة، وعميقة. ليست في الحوزة العلمية فقط، بل هي مشكلة عالمية.
ما هو التضخم العلمي؟
بعض الأخوة الأكاديميين في الجامعات يقولون: “ندرس سبع سنوات، لكن ما نحتاجه فعليًا هو سنة واحدة فقط، أما البقية فهي بحوث زائدة”.
دعوني أقدّم بعض الأمثلة:
- بحث موضوع “العلم“ في الأصول يأخذ وقتًا طويلاً، رغم أن نتيجته معروفة: لا يترتب عليه ثمرة. كثير من العلماء (كالإمام الخميني، السيد الخوئي، المحقق العراقي، وغيرهم) ينتهون إلى أنه لا دليل على وجوب وجود موضوع لكل علم.
- بحث المشتق: تركيب المشتق، بساطته… هذه أبحاث فلسفية، لا علاقة لها بعلم الأصول. الفرق بين المشتق ومبدئه هو في الحقيقة بحث في الفرق بين “العرض” و”الماهيات”. فما علاقتها بالأصول؟
- بحث “الطلب والإرادة“: هذا بحث كلامي، ومع ذلك يتم إدخاله في علم الأصول، بينما لا علاقة له به.
- علم المنطق: أسأل الإخوان الدارسين: كم مرة استخدمتم “العكس المستوي”، “نقض المحمول”، “الموجهات”؟
هل نحتاجها؟ الجواب: لا. فالموجهات كلها لأجل “شرط التناقض”، في حين أن صدر المتألهين ينفي هذا الشرط أصلًا، ولا رد علمي عليه.
خلاصة هذه الأمثلة: نستمر في بحث ما لا نحتاجه، ونترك ما نحتاجه واقعًا.
المشكلة الثانية: البحوث الإرشيفية
وهي البحوث التي لا يحتاجها المجتمع الآن، لكنها تبقى مفيدة للمختصين. كالبحوث الخلافية بين الشيعة والمعتزلة، أو بين الشيعة والأشاعرة، أو بين الأشاعرة والمعتزلة.
نعم، نحتاج إلى مختصين في هذه القضايا (علماء علم كلام)، لكن لا ينبغي أن يتوجه كل طلاب الحوزة إلى هذه المجالات. هذه بحوث أرشيفية، نحتفظ بها، نطورها، لكن نعي متى وكيف نستخدمها.
المشكلة الثالثة: منطقة الفراغ العلمي
بعض المسائل لم تُبحَث بعد رغم ابتلائيتها. مثال:
- كلام المعصوم: مقام البيان أم مقام التنفيذ؟
السيد الشهيد الصدر أشار إلى أن كلام المعصوم أحيانًا يكون في مقام الحكم والتنفيذ لا البيان.
مثال: نهي الإمام عن تأجير السفينة المستأجرة. هل هو نهي تشريعي دائم؟ أم نهي مرتبط بظرف اقتصادي خاص في حينه؟ - قيمة النقد والمال: هل المال الآن هو الذهب؟ أم القوة الشرائية؟ أم قيمة اعتبارية؟
مثال: الدنانير القديمة كان لها عيارات مختلفة (17، 18، 20، 22… إلخ). فبأي معيار نقيس “مثقال الذهب” الآن؟ - تربية الأبناء: هل هي واجبة؟
إذا كانت واجبة، ما مقدار الواجب؟ هل يجب على غير الأب والأم كجهات اجتماعية تربية الأولاد؟ هذا من فقه التربية المهمل. - المذهب الاقتصادي الإسلامي: لا يوجد عندنا كتاب معاصر يقدمه.
السيد الشهيد الصدر في “اقتصادنا” أسس لمرحلة، لكنه لا يكفي لشرح المذهب حاليًا. - كتاب عن الإسلام بلغة العصر: الشيخ المطهري قال إنه سيكتب كتابًا يشرح الإسلام بلغة العصر، لكنه استُشهد قبل إنجازه. والشيخ اللنكراني يقول: إلى الآن لا يوجد مثل هذا الكتاب.
- مسألة الحجاب: لا يوجد إنتاج فكري حديث بعد كتاب الشيخ المطهري، رغم أن الموضوع من أخطر وأهم القضايا الفكرية.
غياب الغرض الفعلي في البحوث
الطلبة يدرسون “المكاسب” و”الكفاية”، والهدف هو: أن يصبحوا مدرسين في نفس هذه الكتب!
كم شخص يصبح مجتهدًا حقيقيًا؟ قليل جدًا.
لكن الأهم: ما هو الهدف من هذه الكتب؟
هل نستخدمها بشكل يناسب الحاجة الفعلية المعاصرة؟
هل لدينا قراءة عصرية لها؟ للأسف، كثيرًا ما يكون الجواب: لا.
المشروع الحوزوي مشروع تربوي، لا تعليمي صرف
الشيخ بهجت – قدس سره – سُئل عن سبب قلة طلبة الكويت في الحوزات، فقال:
“صحيح أن ظروفهم المعيشية تمنعهم، لكن الإسلام بحاجة إلى علماء.
والإنسان الذي لا يضحي بمستقبله من أجل الإسلام، لا يستحق أن يكون عالم دين.”
كلام شديد، لكنه دقيق.
المشروع يحتاج صلاة ليل، إخلاص، تربية، بناء معنوي.
الإمام يقول:
“ليس منا من لم يُصَلِّ صلاة الليل”
أي: لا نعوّل عليه.
وحديث الإمام الباقر:
“إذا استكثر عمله، ونسِي ذنبه، ودخله العُجب، فلا أُبالي ما عمل؛ فإنه غير مقبول منه”
نحتاج اليوم إلى فهم العالم من حولنا
آية الله مكارم الشيرازي يقول:
“كنا سابقًا لا نستطيع حتى أن نجلس مع طلبة الثانوية. الآن، أساتذة الجامعات يطلبون لقاء العلماء”.
نحن منفتحون على العالم. لذلك نحتاج إلى علوم غير تقليدية:
- علم النفس
- علم الاجتماع
- علم السياسة
- علم التربية
هذه ليست علوم ترف، بل ضرورية لفهم الإنسان والمجتمع، ولتجديد الطرح القرآني.
خاتمة: توسعة علم الفقه، لا الاقتصار عليه
الفقه ليس المشكلة. المشكلة في حصره في مسائل معينة، في حين أن الدين يشمل جميع شؤون الحياة.
كلام الإمام في “الحكومة الإسلامية” واضح:
لا يمكن تحقيق أهداف الإسلام بدون عمل سياسي.
قوانين الإسلام بطبيعتها توجب التدخل في السياسة.
نحن بحاجة إلى توسعة الأبحاث الفقهية:
- أين فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
- أين فقه الحجاب؟
- أين فقه التربية؟
- أين الفقه الاجتماعي والسياسي؟
الدين ليس فقط في الرسائل العملية، بل في كل جانب من جوانب الحياة.