اليوم الحادي عشر – التربية بالابتلاء
التربية بالابتلاء
مع سماحة العلامة الشيخ حسين المعتوق.
التغطية المصورة:
التغطية الصوتية:
التغطية المكتوبة:
الموسم العاشورائي – محرم الحرام 1447 هجري
محاضرة اليوم الحادي عشر تحت عنوان: التربية بالابتلاء
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وصلى الله عليك يا أبا عبد الله الحسين، وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك، عليك منا سلام الله أبدًا ما بقينا وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد منا لزيارتكم…
النقطة الأولى: أصل الخلق وغاية الوجود
قال الله تعالى:
“وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون“
بهذا البيان الإلهي، يفتتح القرآن مشروع فهم الإنسان. فالخلق ليس عبثًا، بل هو لغرض سامٍ. ليس فقط عبادة اللسان، بل عبادة المعنى، عبادة تتجلى في كل فعلٍ يسير نحو الحق، والخير، والكمال.
النقطة الثانية: القابلية الإلهية في تكوين الإنسان
الإنسان في القرآن وُصف بأحسن تقويم، ولكن ما معنى هذا؟
قال تعالى:
“لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم“
ليس المقصود الشكل الظاهري، فالبدن مشترك بين البشر. بل هو القدرة الكامنة في الإنسان على الرقي، على السمو، على أن يحمل الأمانة، أن يعرف، أن يحب، أن يُضحي، أن يتكامل بلا حدود.
النقطة الثالثة: القابلية لا تكفي وحدها
هذه القابلية كما الأرض الزراعية؛ إن لم تُزرع، تبقى عاطلة. الإنسان القابل للخير، قد يختار الشر. وقد يهبط إلى دركات أدنى من الحيوان، كما قال تعالى:
“ثم رددناه أسفل سافلين“
فالسقوط ليس عدم قابلية، بل اختيار سلبي، وترك لمسؤولية التربية.
النقطة الرابعة: التربية ضرورة لا بديل عنها
منذ الطفولة، يتبين احتياج الإنسان للتوجيه. طفلان أمام ألعاب: الاعتداء والغيرة والأنانية كلها تظهر دون توجيه. فكيف بالكبير الذي لم يُربَّ؟ إنه طفل كبير، بمظهر مختلف.
إذن التربية ليست ترفًا، بل هي أداة تحقيق الإنسانية. وإن لم تحدث، فلا إنسان يُبنى، ولا روح تُطهَّر، ولا أمة تُقام.
النقطة الخامسة: من يربي الإنسان؟ وما هو دور القيادة الربانية؟
أ. الأنبياء
الأنبياء لم يُرسلوا لوعظ العقول فحسب، بل لتأسيس منظومة تربوية ربانية. لا يمكن للنبي أن يصل إلى كل فرد، لكن يمكنه أن يؤسس إطارًا تربويًا عامًا، تتنزل فيه الأخلاق، وتُبنى فيه القيم، ويُرسم فيه طريق السلوك.
ب. الأئمة (عليهم السلام)
هم امتداد طبيعي للنبوة، وحَمَلة نورها. كانوا مرشدين وموجهين، في حياتهم، وفي كلماتهم، وفي دمائهم التي سالت لتبقى الرسالة خالدة.
ج. العلماء والمرجعية في زمن الغيبة
قال الشهيد السيد محمد باقر الصدر (رض):
“إن أهم ما يميز المرجعية الصالحة هو تبنيها لأهداف الإسلام“
وهذا يعني أن المرجعية ليست مؤسسة فقهية فقط، بل هي قيادة تربوية حضارية، تنظر للدين كرسالة لبناء الإنسان، وتحقيق التكامل في ضوء الإسلام.
النقطة السادسة: لماذا لا تنجح التربية دائمًا؟ وما دور القابلية الاجتماعية؟
الله عز وجل لم يطلب من النبي أن يهدي الجميع، بل قال:
“إنك لا تهدي من أحببت“
“إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب“
فدائرة التغيير محددة بـ”المستعد”. القابلية موجودة، لكن الاستجابة هي الفيصل. فالأنبياء، والأئمة، والعلماء، ليسوا سَحَرة؛ بل مربّون.
المشروع التربوي ينجح بقدر استعداد الفرد والمجتمع، لا بقدر صلاح النبي فقط.
النقطة السابعة: الفعل الإنساني والابتلاء: الطريق إلى الشرف
الإنسان يملك القدرة على السمو، كما يملك القابلية على الانحدار. والابتلاء هو المصفاة.
في زمن الراحة لا تُبنى النفوس. في زمن الضغط والظلم تُكتسب صفات الشجاعة، الصبر، الوفاء، والبصيرة.
الإنسان الذي لا يُبتلى لا يَتقدّم. الإنسان الذي لا يتحمل الألم لا يصبح عزيزًا.
كل ما يُطلق عليه اسم “الشرف” لا يتحقق إلا بالصمود أمام الظلم، والثبات أمام الانحراف، والولاء للحق في أحلك الظروف.
النقطة الثامنة: عزة الإنسان من عزة موقفه
العزة الحقيقية ليست في المال أو الجاه، بل في موقف الحق.
- أن تقول “لا” عندما الجميع يقول “نعم” للباطل.
- أن تقف مع المظلوم، لا مع القوي.
- أن ترفع صوتك حتى وإن كنت وحيدًا.
هنا تبدأ العزة. وهنا يُكتسب الشرف الحقيقي، لا الوهمي.
النقطة التاسعة: الإنسان الشريف كما يريده الله
الإنسان الذي يكتسب صفات الله في رحمته، وعدله، وصبره، وشجاعته، هو الإنسان الذي صار “أفضل من الملائكة”.
أما من استسلم للشهوة، وظلم، وفجر، فليس له فضل على الحيوان، بل الحيوان أشرف منه.
قال تعالى:
“أولئك كالأنعام بل هم أضل“
فلا قيمة لشكل الإنسان أو لقوله “أنا مؤمن” إن لم تتجسد هذه القناعة في سلوك فعلي واقعي.
النقطة العاشرة: القيادة الإلهية في عصر الغيبة
في عصرنا هذا، يقودنا رجل عظيم، لا يُدير فقط مؤسسة، بل يُشرف على بناء أمة.
الإمام الخامنئي (دام ظله الشريف)، قائد ليس فقط بالمنصب، بل بالروح، والعلم، والرؤية.
ورث طريق الإمام الخميني (قدّس سره)، الذي لم يُنشئ ثورة فحسب، بل أعاد الإنسان إلى عزة الدين، وكبرياء المقاومة، وكرامة الجهاد.
الإمام القائد لا يُحرّك جيوشًا فقط، بل يُحرّك قلوبًا، ويبني أجيالًا من قاسم سليماني وأمثاله، من الحاج رضوان، ومن أبناء الحسين في كل أرض.
النقطة الحادية عشر: مدرسة الحسين (ع): مصدر العزة المطلقة
كل ما نملكه هو من الحسين عليه السلام.
هو الذي علمنا كيف ننتصر حتى في لحظة الهزيمة الظاهرية.
علّمتنا زينب (عليها السلام) أن نقول في وسط الدم والرماد: “ما رأيت إلا جميلًا“.
علّمتنا سكينة أن نثبت حتى وإن كانت الخيام تُحرق، والرؤوس تُرفع، والأحباب يُذبحون.
الحسين ليس رجلًا مات، بل مدرسة حيّة لا تموت.
كل شهيد، كل مقاوم، كل عزيز، هو تلميذ في هذه المدرسة.
اللهم اجعلنا من أنصار دينك، ومن أوليائك الصالحين، ومن السائرين على درب الحسين وأخته زينب وأصحابه المخلصين، واحشرنا في زمرتهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.