الروحانيات المزيفة مدخل إلى الانحرافات العقائدية
الروحانيات المزيفة
“الروحانيات المزيفة مدخل إلى الانحرافات العقائدية”
بمشاركة:سماحة الشيخ محمد باقر الشيخ (حفظه الله)
التغطية المصورة:
التغطية الصوتية:
التغطية المكتوبة
افتُتح في منتدى السيدة المعصومة الثقافي ليلة الخميس الموافق ٢١ ديسمبر ٢٠٢٢ الموسم الثقافي {روحانيات مزيّفة} وقد تحدّث في أولى لياليه سماحة الشيخ محمد باقر الشيخ عن “الروحانيات المزيّفة مدخل إلى الانحرافات العقائدية” وهنا تلخيص لما تفضّل به سماحته.
مقدمة: القرآن لإيجاد التوازن في الحياة.
قال تعالى (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل)
إذا أردنا أن نبحث عن مفاد الآية فهي تفيد النداء لأهل الكتاب، وبمقتضى هذا القيد تستفاد خصوصية لأهل الكتاب أي كونكم منتسبين للكتاب وهذا له خصوصية لابد أن تراعوها، فالنهي بعد النداء له علاقة بكونهم أهل كتاب.
ففي الآية نهيان: لا تغلوا في الدين، فكل غلو وارتفاع وزيادة في الدين ليس حقا، بل هو ضلال.
والنهي الثاني عن اتباع الأقوام السابقة الذين ضلوا وأضلوا وابتعدوا عن السبيل.
إذا أردنا تعميق هذا المعنى نقول: إن الكتاب هو الواسطة بين الله وخلقه عبر الرسل النازلين به الذين يوضحونه ويبينونه، فالكتاب طريق بين الله والإنسان والتعاليم التي فيه طريق للتكامل الى الله.
فالآية تفيد: الله أنزل كتابا بإمكانه إيجاد التوازن في حياة الإنسان بحيث لا ينحني إلى الافراط أو التفريط، فاتباع الكتاب يحصل به التكامل الصحيح، بينما اتباع الذين ضلوا من قبل يعيق التكامل.
ونتيجة الزيادة في الدين ما ذكرته الآية أي الضلال كما ضلت الأقوام السابقة.
العترة عدلٌ للقرآن
في عقيدتنا لا يمكن افتراق العترة عن القرآن، وبالتالي تجاوز تعاليم الدين إما بالتجاوز على التعاليم من العترة أو بالتجاوز على تعاليم القرآن، وتجاوز هذين هو غلو في الدين فسيحصل به الضلال لا التكامل.
على إثر ذلك يمكن تعريف الروحانيات المزيفة بأنها: كل عمل روحاني وكل طريق يسلكه الإنسان لأجل ارتقاء روحه وهو طريق لا يرجع للقرآن أو العترة.
فهذا يعد ارتفاعا في الدين وروحانية مزيفة.
بعد هذه المقدمة ينصب الحديث في مقامين:
الأول: أنواع عامة للروحانيات المزيفة.
الثاني: كيفية دخول الروحانيات المزيفة في المجتمع ومساهمتها في تزييف العقيدة الصالحة.
المقام الاول: أنواع الروحانيات المزيفة.
هناك أنواع أربعة للروحانيات المزيفة:
- الروحانيات التي أنتجتها ديانات لا تؤمن بالله.
فهي مصداق للزيادة في الدين، وهذه من قبيل علم الطاقة واليوغا حيث يعتقد اتباعها بها كسبيل لتقوية النفس، فهي من الغلو في الدين لأن منشأ ابتداعها لا يمت للدين بصلة.
- الفصل بين الكتاب والعترة، وأفضل مثال هنا هم المتصوفة الذين بدأوا بالتشكل من زمن الإمام السجاد (ع) حيث ابتدعوا طرقا للتنسك.
ويمكن تقريب نظرتهم أو مسلكهم من خلال القياس والاستحسان ببيان: إنهم حيث شعروا بالفجوة الكبيرة من جانبين: جانب الأحكام الشرعية وجانب المناسك الروحية، وحيث إنهم لم يؤمنوا بالعترة الطاهرة فقاموا بسد الفجوتين من خلال ما قاسوه واستحسنوه سواء في العباديات أو في الأوراد والأعمال.
بينما هذه الحالة لم تحصل عند الشيعة حيث إن الأئمة (ع) غطوا جميع الحاجات من جانب الأحكام الشرعية.
وكذلك الثروة الروحية التي أعطاها الأئمة (ع) للشيعة كفتهم عن الاحتياج للغير، فهذه الثروة أشبعت تمام حاجات الإنسان الروحية ومنها مثلا حاجته للانتماء والانتساب، فالمكلف في عباداته ينسب الفعل لله بنية القربة كالصلاة والصوم وغيرها.
ولذا من يراجع مصباح المتهجد أو جمال الأسبوع أو إقبال الأعمال يلاحظ أنها تغطي تمام الحاجات الروحية على مستوى اليوم والليلة والأيام والشهور.
أما من ابتعدوا عن العترة فقد خلقوا لهم طرقا يدعون أنها تقربهم الى الله.
وسيأتي بعد قليل ذكر بعض الأعمال التي أنكرها الأئمة (ع) على المدعين.
- من جعلوا أنفسهم في مقام قريب للإمام كمن نصب نفسه سفيرا أو وكيلا.
ويمكن نؤرخ بداية هذه الفترة في زمن الغيبة الصغرى
وأولهم الحلاج حيث ادعى أنه سفير للإمام ثم توالت ادعاته الباطلة إلى ما أشد فادعى قائلا: ليس في جبتي إلا الله.
هؤلاء الجماعة أيضا حاولوا تبرير ما يدعونه من مقامات، فمثل هذه المقامات لا يمكن تصديق الناس بها إلا إذا رأوا من أصحابها كرامات وما شابه، ولذلك هؤلاء لم يتوانوا عن دعوى الكرامات وخوارق العادات.
الحلاج مصداق بارز لذلك حيث يقول الشيخ الطوسي أن كل من ادعى هذا الأمر فقد أتى بأعمال يخدع بها عموم الناس ليصدقوه مثل الحلاجية.
- ما ينتج عن الجهل بالأحكام الشرعية.
مثلا الاعتماء على المجربات زيادة على ما ورد عن الأئمة (ع) أو ادعاء مراقد أو مقامات أو أماكن مقدسة أو شخصية مقدسة جهلا بمقامات الأئمة(ع) ومقامات العلماء الصالحين.
فهذا المقام المدعى أو المكان المقدس لن يؤمن بقدسيته الناس حتى يروا فيه نحوا من الكرامات والقصص، ومن هنا يضطر أصحاب هذه الأمور لإبراز نوع من الكرامات والقصص الغريبة.
إذًا الجامع بين هذه الأنواع الأربعة هو تجاوز الكتاب والسنة والخروج عنهما، كما أن الجامع المشترك بينها من حيث النتيجة هو الضلال والخروج عن الدين.
وبهذا نكون قد عرفنا مناشئ دخول هذه الأمور إلى التشيع.
المقام الثاني: الطرق الوسائل لإدخال الروحانيات المزيفة.
ما هي الطرق والوسائل التي يسلكونها لإدخال الروحانيات المزيفة إلى المجتمع الشيعي ؟
هي طرق كثيرة والجامع بينها هو تزيين الشيطان، فأفضل طريق يدخل به الشيطان وأتباعه للمجتمع هو التزيين، ومن أفضل أبواب التزيين هي الأعمال الروحية، وبعد التزيين تأتي سُنّة الاستدراج إلى طريق الضلال.
عدة عناوين تُمارس والإنسان من خلالها يُخدع بأعمال هؤلاء:
- الاعتماد على عناوين لها رواج في المجتمع الشيعي من قبيل: المهدوية والشعائر.
فهما يؤثران بشكل كبير في الفرد الشيعي، لأنه يعيش هما كبيرا تجاههما.
فهذان يشكلان مدخلا كبيرا لدخول الأعمال المزيفة.
مثلا دعوى السيد محمد علي الشيرازي المعروف بالباب كان أول ما ظهرت دعواه في زمن الشيخ أحمد الاحسائي حيث صار آنذاك إعلان ورواج بأن هذا هو زمن الظهور، وقد أمر الشيخ الاحسائي طلابه بالتهيؤ والبحث عن الإمام، فاكتسبت هذه الدعوة أهمية كبيرة خصوصا حينما تصدر من عالم كبير.
بعد وفاة الاحسائي جاء تلميذه السيد كاظم الرشتي، ومن تلامذته هو السيد محمد علي الباب، فابتدأ بدعوى البابية، وحتى تتم دعواه أول ما قام به تأويل مجموعة كبيرة من آيات القرآن وسمى أصحابه بأسماء خاصة غريبة يجمعها: باب حي أو حروف حي.
مثل: بهاء الله، صبح أزل، والطاهرة وغيرها.
ثم لما رأى أنه ادعى البابية ولم يظهر الإمام بعد مدة تطور في دعواه فقال بأنه هو الإمام وذهب الى مكة لدعوة الناس للقيام، ولكن الناس ضربوه وأخرجوه، وبعد رجوعه لايران أعدم.
ثم جماعته تدرجوا أكثر فادعوا وجود نبي ودين جديد.
نفس الأمر حصل في بدعة السفارة في البحرين ففي بداية انتصار الثورة الإسلامية في إيران عاش الناس مثل هذه الاجواء حيث روج بأن السيد الإمام سيسلم الراية للإمام الحجة (عجل).
فكان الحماس مشتعلا عند المجتمع خصوصا الشباب، فمن هنا نشأت دعوى للبابية والسفارة، فتكونت نواة جماعة وأخذوا بدعوة بعض الأشخاص خصوصا أن الدعوة نشأت من داخل السجن حيث كانت الظروف مساعدة على دعوى الغرائب والقصص.
وهكذا تتطور الدعوة حتى يكون المآل والمصير كمصير الحلاجية والبهائية.
- من الطرق أيضا التصنع أي يبدي الشخص للآخرين أن له علاقة خاصة بالله تعالى، وهذه العلاقة مصنوعة غير حقيقية.
ورد في الخبر عن أبي جعفر (ع) أنه قيل له: إن قوما إذا ذكروا شيئا من القرآن أو حُدّثوا به صعق أحدهم حتى يُرى أن أحدهم لو قطعت يداه أو رجلاه لم يشعر بذلك، فقال (ع): سبحان الله، ذاك من الشيطان، ما بهذا أُمروا [أي هذا ليس من الدين] إنما هو اللين والرقة والدمعة والوجل.
فمفاد الرواية أن الشخص إذا جاء بمثل هذه المظاهر الإدعائيٌة فهو من عمل الشيطان.
يذكر الغزالي في إحياء علوم الدين قضية عمن سماهم بالعرفاء وهو عبد القادر الجيلاني، وهو شخصية معظمة عند جماعة القادرية، وتنقل عنه قصص تضحك الثكلى ومنها ما نقله الشيخ الأميني في موسوعة الغدير: أنه بقي هائما ثلاثين سنة في الصحراء لا يدري ماذا يصنع، ولكن جاءه الخضر (ولم يُذكر كيف علم أنه الخضر) فقال له ابق مكانك سنة، فلم يتحرك، ثم جاء الخضر مرة ثانية بعد السنة وقال له مكانك سنة كاملة، وكذلك أمره في السنة الثالثة، وهكذا بقي ثابتا في مكانه ثلاث سنوات.
وفي هذا أيضا غمز في النبي موسى حيث لم يسمع للخضر ولم يلتزم بكلامه.
وبعد السنوات الثلاث رجع للناس فسكن قصور كسرى فبقى سنة لا يأكل وسنة لا يشرب وسنة لا يأكل ولا يشرب.
وهكذا عظمت مثل هذه الشخصيات، ويأتي مثل الغزالي ويعظمها!.
- ومن الطرق أيضا: العمل الباطني، فهذه الفرق يجمعها العمل الباطني وأنها تدعي أعمالا خاصة لا يمكن للمجتمع وعموم الناس أن يصلوا إليها، بل هي لأناس خاصين مختارين من الله، ويضعون للأعمال مصطلحات كثيرة ولكن لو سألتهم: من أين أتيتم بهذه الاعمال؟ لقالوا بأنك لا تصل إليها فهي وردت بطرق خاصة لأناس خاصين.
ولذا ترى هذه الفرق كاليهود لا يدخلها أحد إلا بصكوك غفران ونحوها.
فالإسماعيلية منغلقة والبهائية منغلقة وهكذا السفارة في البحرين جماعة عائلية لا يمكن الدخول إليها إلا باجتياز امتحانات كثيرة.
ومن ضمن النصوص التي تدعيها جماعة السفارة: هم الناس والباقي نسانس.
والنسانس هي الذرات الصغيرة التي لا تأثير لها، لأن بقية الناس لا يتغذون من منبعهم الصافي المدعى.