الفكر البشري بين النزعة الفردية والنزعة الشمولية في المعرفة
الفكر البشري بين النزعة الفردية والنزعة الشمولية في المعرفة
بمشاركة: سماحة الشیخ عبد الكريم نجف
التغطية المصورة:
التغطية الصوتية:
التغطية المکتوبة:
العناوين الأصلية:
- بالمعرفة يمتاز الإنسان
- المنهجية التفصيلية والإجمالية في النقد
- رجوع كل المنظومة الغربية إلى الفردية في المعرفة ولوازمها.
استأنف منتدى السيدة المعصومة الثقافي بمدينة قم المقدسة برنامجه الأسبوعي “الملتقى” بعد شهر رمضان باستضافة سماحة الشيخ عبدالكريم آل نجف الأستاذ في الحوزة العلمية بتاريخ 17 مايو 2023، وقد تعرض في محاضرته إلى بيان النزعة الفكر البشري بين النزعة الفردية والنزعة الشمولية في المعرفة، وهنا تلخيص لما تفضّل به:
مقدمة
لا شك أن العقل والمعرفة هما الميزة الإلهية التي منحها الله سبحانه وتعالى للإنسان، ولذلك صار سيد الكائنات.
وبموجب ذلك تميّز الإنسان عن الحيوان وصار صاحب حضارة مع أن الحيوان مقارن لوجود الإنسان خلافا لنظرية دارون التي تنص على تقدم الحيوان زمانا.
نجد أن القرآن يصف بعض الناس كالأنعام ويذمهم على نقص عقولهم ويتهمهم بالجهالة، ما السر؟ كيف استثنوا من هذه الموهبة؟
قطعا الله لم يستثنهم ولكن هم استثنوا أنفسهم حينما سلكوا طريقا يؤدي بهم إلى الاستثناء والتسافل لما هو أشد من الحيوانات.
حينما تقول بأن من يحمل النزعة الفردية جهلة وأضل من الحيوان رأسا تتهم بالداعشية، خصوصا أن الخصم يحمل فكرا ويحمل علما وحضارة، ولذلك لابد من إقامة الحجة لأجل إثبات تلك الضلالة وبيان وجهها الحقيقي.
النبي إبراهيم “عليه السلام” في مخاطبته للنمرود قدم حججه التي بهتت النمرود، وكذلك نبينا محمد “ص”.
البيان والحجة إما إجمالية وإما تفصيلية:
في أصول الدين لابد من الاجتهاد لا التقليد، فكذلك في مراجعة الجذر المعرفي والمنظومي، فإذا أردنا الاجتهاد في تراث الخصم فكيف نصنع؟
إذا أردنا اجتهادا ومعرفة تفصيلية في جميع التراث الفكري للخصم فهذا يحتاج إلى سنين طويلة جدا، ولذا نحتاج إلى الاجتهاد والمعرفة الإجمالية، وذلك بإرجاع جميع التراث الفكري إلى أصوله وجذور وبعدها يمكننا مناقشة جذورة وبيان بطلانه، وإذا كان باطلا فهو جهالة وضلالة.
دخل رجل على الإمام الصادق “ع” فقال: ما العقل؟ قال: ما عبد به الرحمن وما اكتسب به الجنان، فقال الرجل: فالذي كان في معاوية؟ فقال: تلك النكراء، تلك الشيطنة وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل.
الإمام “ع” أعطى النتيجة النهائية، نحن اليوم لا نستطيع النتيجة النهائية والقول للخصم بأن ما عندك شيطنة، لابد أن نبين المباني التي أدت إلى تلك الشيطنة.
القرآن يقول (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)، متى الضال لا يؤثر في المهتدي؟ مع أن الضال عنده وسائل إعلامية يشاهدها ويستمع إليها المهتدي كل يوم، فكيف لا يتأثر؟
هنا أيضا لابد من تشخيص ذلك الجذر ومناقشته وبيان بطلانه ثم ستتشكل حصانة من التأثر بذلك.
وإذا لم نرجع للجذر سنواجه ٣ مشاكل:
١. العجز عن مجاراة الخصم.
٢. العجز عن محاجته.
٣. العجز عن مناقشة مبانيه الفكرية.
بينما مع فهم الجذر سنتمكن عند الحاجة من استيعاب منظومة الخصم.
وأيضا إذا لم أعرف طريق الجهالة والضلالة فكيف سأكون مهتديا ومجتنبا له؟
يقول تعالى (يزكيهم ويعلمهم) كيف يزكيهم إذا لم يعرف ما هم عليه من مشكلات؟
وبعد معرفة ذلك الجذر في المقابل نحن نشيد الجذر الإيماني الذي تبتني عليه منظومتنا.
ولذا لا أن نرجع الوثنية إلى جذر ونرجع الإيمان إلى جذر مقابل، ثم نحلل المنظومة المعرفية للخصم مع ما يناسب جذره ونحلل منظومتنا مع ما يناسب الجذر الإيماني.
أصل البحث
الفكر البشري يصدر من رؤوس المفكرين، هذا الفكر يتأثر بحال المفكر وحال المخاطب.
تنتهي المنظومة الفكرية إلى رسم طريق يسير عليه البشر، فلو سألت هذا المفكر ماذا تفعل؟ لقال بأني أفكر لأرسم للآخرين خارطة طريق في جانب من جوانب الحياة .
حينما يفكر ويرسم ويصدّر فإنه ينظر إلى الآخرين كإنسان، وبحكم الواقع الموضوعي ستنتفع كل طبقات المجتمع من تلك الخارطات.
مثلا على أساس تفكير وخارطة إنسانية من أحد الفلاسفة تتم كتابة دستور وتشكيل حكومة ووزارات فتتشكل الدولة.
هذا المفكر ينطلق من خصوصياته كمفكر، وكذلك من سينتفع ينطلق من خصوصياته كطبيب أو وزير أو غير ذلك، والدولة التي طبقت هذه الافكار انطلقت من خصوصيات الفرد.
لو افترضنا صحة الانطلاق من أصالة المجتمع لخرجنا بنتيجة أن تلك المنظومة التي ابتنت على أصالة الفرد كانت خاطئة، وبالتالي كل ما بني عليها فهو باطل، فإذا قلنا عنها حينئذ أنها جاهلية فهذا صحيح.
أصالة الفرد هي ما نعبر عنه بالنزعة الفردية في المعرفة،
وكل الفكر الغربي مبتلى بالنزعة الفردية من نظرية المعرفة إلى الرؤية الكونية إلى الرؤية الأيديولوجية، ثم على أساس ذلك يحددون ما ينبغي وما لا ينبغي بالنسبة للمرأة وبالنسبة للرجل وبالنسبة للطبيعة.
يقول علي الوردي في كتاب مهزلة العقل البشري: (من المبادئ السفسطائية المعروفة قولهم الإنسان مقياس كل شيء، كل إنسان يرى الحقيقة حسبما تقتضيه مصالحه وشهواته).
ويقول في كتاب خوارق اللاشعور: (العقل لا يفهم الحقيقة إلا فيما ينفعه).
حينما نقارن بين هذا الكلام وكلام الإمام الحسين “عليه السلام”: (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحيطونه ما درت معايشهم) نجد أن ذلك الكلام موافق لهذا الكلام ولكن الفرق أن علي الوردي (وهو المفكر الذي بنى علمه وفكره على مائدة الغرب الفكرية ومترجم لفكرهم) ينظر للإنسان بكل أشكاله وأطيافه، بينما الإمام “ع” ينظر لذاك الانسان صاحب النزعة الفردية.
الدين ليس كلمات ونصوص نحفظها بل مباني نشيّد عليها منظومة معارفيّة تقابل ما عند الخصم، فإذا قلنا أن الصحيح هو أصالة الفرد والمجتمع مع تقديم المجتمع على الفرد، لابد أن نبني معارف على هذا الأصل، حينئذٍ سنحصن أنفسنا من كل التراث الذي عند الخصم.
(يحوطونه ما درت معايشهم) من قبيل أن عبدالله بن عمر يطلب من الإمام الحسين “ع”أن يكشف له عن موضع تقبيل رسول الله فيقبله، ولكنه في فكره وسلوكه وانتمائه منخرط في خصوم الإمام الحسين، كذلك إذا كان المفكر والفيلسوف من هذا النمط سيكون تفكيره ورسمه للخريطة على أساس (يحوطونه ما درت معايشهم) فالمحور هو الذات الفردية ومصالحها ورغباتها وشهواتها.
إذًا المعرفة البشرية ترجع لجذرين متقابلين:
النزعة الفردية والنزعة الشمولية.
وهذان الجذران أساس كل منظومة معرفية.
بعد تثبيت هذا الأصل تبقى هناك أبعاد أخرى تحتاج إلى أبحاث مستقلة في أن الاسلام مبني على النزعة الفردية أو الشمولية.
مثلا حينما يقول النبي “ص”: (حب الدنيا رأس كل خطيئة) يبين أن المشكلة في النزعة الفردية؛ لأن الذي يحب الدنيا هو من ينظر لنفسه ويحب نفسه وفقط، ولا يهمه غيره يعيش أو يموت.
ونلاحظ أيضا أن النزعة الفردية قد ابتلينا – نحن المسلمون – بها مع أنها لا تنسجم مع طرح الدين ولذا نعبّر عنها بالفردية العرضية، بينما فردية الخصم – الغرب – ذاتية، هم عرفوا أنفسهم جيدا ثم بنوها على ما اختاروه، بينما الذي يصاب بالجرثومة لا يعرف يبني نفسه على أي أساس ولا يدري في أي طريق يسير.