مجالات جهاد التبيين
موسم (جهاد التبیین)
تحت عنوان: “مجالات جهاد التبيين”
بمشاركة: سماحة آية الله الشيخ محسن الآراكي “حفظه الله”
التغطية المصورة:
التغطية الصوتية:
التغطية المكتوبة:
ضمن موسم (جهاد التبيين) المنعقد في منتدى السيدة المعصومة الثقافي بمدينة قم المقدسة استُضيف سماحة آية الله الشيخ محسن الأراكي (دام ظله) بتاريخ ١٦ فبراير ٢٠٢٣، متحدثا عن مجالات هذا الجهاد ومساحاته وهذا حاصل ما تفضل به.
ورد عن أمير المؤمنين (ع) في الخطبة الشقشقية: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز).
قضية جهاد التبيين التي أطلقها الإمام الخامنئي قبل مدة وصرح بها في أكثر من بيان هي قضية أساسية وهي قضية عصرنا، فنحن انتقلنا من مرحلة الصراع العسكري إلى مرحلة الصراع الفكري.
يجب أن نشكر الله سبحانه وتعالى أن العدو بدأ شيئا فشيئا ييأس من المواجهة العسكرية للمد الإسلامي والمقاومة الإسلامية، لأنه جرب المجابهة العسكرية لمدة نصف قرن فلم يفلح، وقد قال الله تعالى (لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون)، هذه معادلة واضحة، نحن لنا النصر، والسر في انتصار المقاومة أنها قامت على أساس ميثاق مع الله ورسوله، والمؤمنون وفوا بذلك الميثاق فنصرهم الله.
الميثاق هو: ميثاق النصرة والطاعة.
هذا الميثاق الذي لم يف به المسلمون الأوائل مع النبي (ع)، وقد تواتر عن النبي (ص) والصحابة أنه (ص) أخذ عليهم البيعة على السمع والطاعة وقول الحق وألا ينازعوا الأمر أهله.
وقضيتنا الآن هي قول الحق، فقد كان رسول الله (ص) منذ ذلك الوقت يؤكد على أن المعركة ليست عسكرية فحسب، فهناك ميدان آخر نواجه فيه الكفار وهي المواجهة الفكرية وتبيين الحق.
ميثاق الطاعة والنصرة ذكر في القرآن مرات عديدة: منها قوله تعالى (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا).
والروايات المتواترة التي أشرنا إليها هي تفسير لهذه الآية.
وأيضا هذا الميثاق أخذه جميع الأنبياء على قومهم، فقد جاء في سورة الشعراء عن مجموعة من الأنبياء نوح وهود وصالح وعيسى وغيرهم (فاتقوا الله وأطيعون) فهذا كان ميثاق الانبياء.
وكذلك هو الميثاق الذي أخذه الله من المؤمنين (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) فهذه المجموعة أخذ الله منها ميثاق النصرة، وذلك لأنه بعد الرعيل الأول من المسلمين واجهنا مشكلة من هذا النمط، فالكثير لم يف بالميثاق مع الله ورسوله، فجلسوا في البيت حتى اضطر أمير المؤمنين (ع) ليخرج فاطمة (ع) ويدور بها على بيوتهم يدعوهم إلى النصرة، إلى أن يصل الخذلان الكبير إلى قضية كربلاء فهي تمثل أوج النكسة الكبرى لنقض العهد مع الله ورسوله، وهناك الكثير من الآيات تتحدث عن التحذير من نقض الميثاق وأنه مشكلة كبرى.
كل المصائب والآلام والدموع والدماء التي جرت على ساحة الإسلام كل ذلك من جراء نكث العهد مع الله ورسوله، ولكن إلى جانب ذلك يوجد جانب مشرق وهو ما في عهدنا اليوم حيث حدثت انطلاقة كبرى جديدة في المقاومة الإسلامية، فهذه الحركة حينما ننظر لها من منطق قرآني تحليلي يعتبر هو بدء رجوع الجماعة إلى الوفاء بالميثاق لله والرسول.
حينما انبثقت الجمهورية الإسلامية كانت قائمة على الولاية لله ورسوله، وانبثقت الجماهير على هذا الأساس، فنطيع الإمام الخميني ومن بعده السيدالقائد الخامنئي لأنه الممثل للإمام المعصوم الذي أخذ الله الميثاق بطاعته.
ثبتت هذه الجماعة على الميثاق في إيران والعراق واليمن والبحرين بل حتى في فلسطين، فكل ذلك رجعة للوفاء بالميثاق.
في القرآن أكثر من إشارة لحالة من الارتداد أي نقض العهد مع رسول الله (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) وآيات الاستبدال جميعا تشير إلى هذه الحالة، وتشير في نفس الوقت إلى العودة إلى الميثاق (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) فهي تشير إلى كلتا الحالتين، فالمراد بالظلم هو الظلم الاجتماعي المتحقق بالإعراض عن طاعة الله والرسول، ولكن العودة من الرعيل الأول يبدو أنها غير موفقة حيث عبرت الآية ب (لو).
إذاً الآية تشير إلى عودة يبدو أنها غير موفقة إذ تشير الآية التالية إلى عدم تسليمهم (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما).
في المقابل هناك آيات تشير إلى الجماعة التي ستعود، وهي عودة موفقة كقوله تعالى (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين) (إذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم) فهذه الآية عبرت ب (إذا) وليس ب (لو)، فاختلاف التعبير يبين اختلاف الدلالة خصوصا مع ملاحظة ذيل الآية (فأنه غفور رحيم) فيتبين منه العودة موفقة ومقبولة.
ذات مرة تحدثت مع أبي ذر روحي منشد “سلام فرمانده”، قلت له: السلام المتضمن في النشيد هو جواب لسلام وليس ابتداء بالسلام، قال: كيف؟ قلت: لقوله تعالى (إذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم)، فهذا ما نشهده اليوم على أرض فلسطين واليمن من الصبر على الدمار والقصف هو تسليم ورجوع للميثاق. هذه المرحلة أعتقد أننا استطعنا أن نمضي فيها بنجاح، وبرهاننا على الرجوع هو ما نشهده في أرض لبنان وفلسطين واليمن والبحرين وغيرها.
نعم يبدو أننا في مرحلة الوفاء بالميثاق الثاني: قول الحق حيث تمت مبايعة رسول الله (ص) على قول الحق فيقول الأمير (ع) في الخطبة الشقشقية إشارة إلى كلا الميثاقين: الأول: لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر. فيظهر أنه (ع) يقول قد تمت الحجة عليّ. نعم بايعوا أمير المؤمنين ولكنهم لم يثبتوا. الثاني: وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم. فعلى العلماء العارفين بالحقائق أن يتكلموا
- ميادين التبيين
هناك أربعة ميداين تعد من أهم ميادين جهاد التبيين، وبعبارة ثانية: جهاد التبيين يقع في مقابل ماذا ؟ حينما يقول الإمام الخامنئي جهاد التبيين فهو في مقابل الأعداء الذين يكتمون الحق، وقد أشارت الآيات إلى كتمان الحق كصفة بارزة من صفات اليهود (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون) وغيرها مثل (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون) أي لا تكتموا الحق وتغطوه بالباطل.
عملية الكتمان لها أربعة أنواع:
النوع الأول: الحؤول دون وصول الحق للناس
(وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) (جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم) (وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا).
يتمثل هذا في قطع الفضائيات الإسلامية المقاومة، بل حتى قطع صورة الحاج قاسم سليماني عن وسائل التواصل الاجتماعي، لأن في صورته الكثير من بيان الحق. هؤلاء الذين يدعون حرية الكلمة والبيان هكذا يتصرفون.
أؤكد لكم أن الحضارة الغربية بكاملها قائمة على الخداع والكذب، وأن الخداع متغلغل في جميع أجزائها بحيث لا يمكن الفصل، من السياسة والإعلام والسلم والحرب وغير ذلك كله مبني على الخداع.
كيف نواجه هذا النوع ؟
نسعى لإيصال صوتنا لأكبر قدر من الناس بأي وسيلة من الفضائيات والفضاء المجازي والأدب، وهذا واجب على كل من يقدر على إيصال الحق للناس.
النوع الثاني: تحريف الحقيقة
التصرف في الكلام بتغيير الجملة وحذف الكلمات والتصرف في البيان الذي يذاع وينشر، حتى تصل للناس الكلمة المحرفة (يحرفون الكلم عن مواضعه) كم من التحريف وقع في صدر الإسلام. والحضارة الغربية الحاضرة تركز على هذا النوع من التحريف كتحريف كتاب الله وأحاديث الرسول والقادة الإسلاميين.
طريقة المواجهة
علينا مواجهة هذا اللون بأن نرصد باستمرار ما الذي يعرضه الآخر من كلمات القرآن والأحاديث وكلماتنا، فهم يحرفون الكلم عن مواضعه. نقول مثلا أن المرأة كائن مقدس لابد أن تتصدى لرعاية الأسرة، ولا يمكن تشكل الأسرة بلا بيت، وأن المرأة هي راعية البيت من أجل بناء الأسرة بناء صالحا وتخرج الأجيال الصالحة. كلام واضح يقبله العقل والفطرة، ولكن ماذا يفعلون ؟ يحرفونه فيقولون: تريدون حبس المرأة في البيت ؟ ومثلا نقول: نحتاج أن نكثر المسلمين، ورسول الله أمرنا بتكثير النسل فإنه يباهي بنا الأمم. يحرفونه فيقولون: تريدون المرأة لأجل الإنجاب ؟ مثلا الإنسان هم عرفوه بأنه هو من يطيع السيد الغربي. وأما اليمني والأفريقي والفلسطيني وشعوب غرب آسيا هم ليسوا بشرا، البشر فقط هم من يخدمون الاستكبار العالمي ويخدمون مصالحه.
الظلم الأشد والأوضح هو الظلم الواقع على شعب فلسطين واليمن والبحرين. أيها البابا تأتي إلى البحرين وتسمع نداء المستغيثين ولا تتكلم بكلمة واحدة لنصرة المستضعفين ثم تدعي اتباع المسيح !! (كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله) أنصار الله في الدفاع عن المستضعفين والمظلومين، والنبي عيسى من أعظم الأنبياء الذين جاؤوا لمناهضة المستكبرين.
فلابد من أن نواجه ذلك ونعلن أن الكنيسة المسيحية الكاثوليكية كاذبة في اتباعها للمسيح، لأنها لا تتبع المسيح في تعاليمها أبدا. من أهم الأمور التي يجب أن نبينها هي أن الكنيسة تناقض تعاليم المسيح.
النوع الثالث: التفسير على غير وجهه
مثلا الصحفي يسأل المسؤول الأمريكي: كيف تدعون أنكم تحمون حقوق الإنسان والدولة الصهيونية تقتل الفلسطينيين في بيوتهم ولا تتكلمون، بل تحمونهم.
فيجيب: الدولة الإسرائيلية تدافع عن نفسها. ماذا يفعل الجندي الصهيوني في الضفة الغربية ؟ أليس الأمريكي أقر بحل الدولتين ؟
فلماذا يأتي الصهيوني للضفة ؟!
قبل مائة سنة أين كانت الدولة الصهيونية؟ لم يكن لها وجود.
خاطرة
ذات مرة كنت في سفرة إلى البرازيل، وهذه السفرة أقلقت الصهاينة على ما يبدو؛ فسلطوا الضوء عليّ منذ وطأت قدمي أرض البرازيل فقالوا بأن هذا يدعو لإزالة إسرائيل من الوجود.
وعلى إثر ذلك اجتمع الصحفيون حولي وسألني أحدهم: هل تعتقد بأن الدولة الإسرائيلية يجب أن تمحى ؟
قلت: نحن لا نقول أن تمحى، بل هي غير موجودة، فإن كل دولة لابد فيها من مقومات:
أولا: الأرض: ولا حدود للدولة الصهيونية، وحتى الصهاينة أنفسهم لا يحددونها بحدود معينة.
ثانيا: الشعب: لا يوجد شعب إسرائيلي، بل هناك جماعات جاءت من روسيا وأوروبا وغيرها.
ثالثا: الحكومة المستقرة: والحكومة الموجودة منذ أن وجدت هي في حرب مع نفسها في الداخل ومع الخارج.
إذاً لا جغرافيا ولا شعب ولا حكومة مستقرة، فلا توجد دولة إسرائيلية.
الصحفيون سكتوا ولم يكن لهم جواب.
إذاً ليس للدولة الصهيونية وجود ولا مقومات، بينما فلسطين بلد له أرض وحدود واضحة وشعب وقادة معروفون وعلى الأقل السلطة الفلسطينية التي أنتم أنفسكم تقرون وتعترفون بها.
هذا النوع الثالث من الكتمان التحريفي شائع بينهم.
النوع الرابع: التحريف التطبيقي
مثلا تريد أن تشتري بطيخا فيعطيك البائع شيئا لا يسمى بطيخا.
مثلا تقول: أنتم تدعون حقوق الإنسان وتدعون منع انتشار القنابل الذرية وأنتم الوحيدون الذين استخدموها ؟! وتهاجمون إيران إعلاميا وتشهرون بها بدعوى القنبلة الذرية ؟!
سيقولون ويدعون بأن إلقاء القنبلة الذرية من أجل صنع وإحلال السلام.
أو يدّعون بأن دعم أوكرانيا بالسلاح هو سلام وليس حربا وجريمة.
حينما يقول الإمام القائد جهاد التبيين فالجهاد والمواجهة تنحل إلى هذه الأنواع الأربعة من الكتمان، هذه مهمتنا وهذا هو واجبنا، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على هذه المرحلة من الإلتزام بالميثاق.