» الملتقی الأسبوعي » صدقوا ما عاهدوا الله عليه
الملتقی الأسبوعي - الملتقی الأسبوعي

صدقوا ما عاهدوا الله عليه

14 نوفمبر, 2024 0094

صدقوا ما عاهدوا الله عليه
(وقفة مع شخصية العلامة الشهيد السيد هاشم صفي الدين)

بمشــــاركة:
سماحة السید مهدي صفي الدين
(ابن أخ الشهيد السيد هاشم صفي الدين)

التغطية المصورة:

 

التغطية المكتوبة:

 

في محراب الشهادة المقدس وإحياءً لذكر الشهداء ونهجهم المبارك في حياة الأمة استضاف منتدى السيدة المعصومة الثقافي في قم المقدسة  وضمن برنامجه “الملتقى الأسبوعي” سماحة السيد مهدي صفي الدين يوم الأربعاء 6 نوفمبر 2024 مستعرضا بعض ملامح شخصية عمّه الكريم والقيادي الكبير سماحة السيد هاشم صفي الدين “رحمه الله”، وهنا عرض لمجمل ما تفضل به حول هذه الشخصية الجهادية العظيمة .

 

أولاً، نشكر منتدى السيدة المعصومة على هذه الاستضافة للحديث عن شخصية العلامة الشهيد السيد هاشم صفي الدين، الذي أفتخر أولاً بانتسابي إليه، ولهذا أجد من واجبي أن أتحدث عن شخصيته وما أعرفه من هذه الشخصية.
أنا لا أدعي أني أعرف كل جوانب هذه الشخصية، فلم نعش مع السيد يوماً بيوم، ولكنني كنت ألتقيه من فترة لأخرى، وأعرف عنه بعض الأمور، ولكني لا أدعي معرفة تامة بهذه الشخصية.

بسم الله الرحمن الرحيم:
من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً.
صدق الله العلي العظيم.

عندما نقف عند شخصية عالم شهيد من علماء هذه الأمة وشهدائها، نجد هدفًا مشتركًا بين كل طلاب العلم، وهو هداية الناس وإقامة وإحياء دين الله، وإعلاء كلمة الله وشأن أهل البيت عليهم السلام.
فهذا عهد قطعه كل من انتسب إلى الحوزة العلمية ونذر نفسه لإقامة دين الله وحفظ الإسلام المحمدي الأصيل.
وهذا عهد مع الله عز وجل بأن يثبت على هذا الهدف.

وعند الحديث عن العلماء الذين استشهدوا في مسيرة المقاومة الإسلامية في لبنان، نجدهم قد صدقوا عهدهم مع الله بالانطلاق من هذا الهدف والثبات عليه، ما جعلهم ينخرطون في العمل الحزبي والمقاوم.
وهذا كان طريق الشهيد السيد حسن نصر الله، والسيد هاشم صفي الدين، والشيخ نبيل قاووق، وقبلهم السيد عباس الموسوي، والشيخ أحمد يحيى أبو ذر، وغيرهم من العلماء الذين جاهدوا في مسيرة المقاومة الإسلامية.

هؤلاء الأعلام حملوا عهدهم بأن يكونوا طلاب علم يسعون لنقل المجتمع المؤمن في لبنان إلى مرحلة إقامة دين الله وإحيائه.
نعلم أن السيد حسن نصر الله، والسيد صفي الدين، كانا دائمًا يرددان: “أتمنى العودة إلى الحوزة العلمية”، وكذلك العلامة الشهيد السيد هاشم، الذي كان يكرر هذا القول ولكنه يعرف ما هو تكليفه، ولهذا كانت الأمنية فقط، وهي أمنية صادقة.

السيد هاشم، العم الحبيب، كان ذو شخصية علمية واضحة لكل من عرفه وجلس معه واستمع إلى دروسه.

انتسابه للحوزة
فقد انتسب إلى الحوزة العلمية في لبنان وهو في الخامسة عشرة أو السادسة عشرة من عمره تقريبًا، فدرس المقدمات في لبنان وبعد إنهاء دراسته المدرسية التحق بالجامعة، ولكنه انتقل إلى قم المقدسة لمتابعة دروسه هناك.

حدثني يوماً أن أول كتاب درّسه هو “منطق المظفر” في مدينة قم المقدسة.
كان ينتسب إلى حوزة بها الشيخ نبيل قاووق والشهيد الشيخ محمد رملاوي.
قال لي في إحدى المرات إنه يفتخر بانتسابه إلى حوزة كان أكثر طلابها من الشهداء في الحرب العراقية الإيرانية.
وجد السيد هاشم أن التوأمة بين الشهادة والعلم أمر ضروري بالنسبة لطالب العلم.

في مدينة قم المقدسة، درس السيد هاشم عند علماء عدة منهم الشيخ المشكيني في الأخلاق، كما ربطته علاقة قوية جدًا بالشيخ بهجت، الذي بقي يتواصل معه حتى وفاة الشيخ، أما في الفقه والأصول فقد حضر أبحاث آيات الله الشيخ ميرزا جواد التبريزي والشيخ الوحيد الخراساني.

 

العودة إلى الوطن

 

بعد أربعة عشر عامًا في قم المقدسة، أتاه التكليف بالعودة إلى لبنان، وكان عازفًا عن العودة لشغفه بالعلم، وكان محبًا للكتب القديمة بصفة عجيبة، فكان يحدثني عن شغفه بها ويوصيني بدراستها.

بعد عودته إلى لبنان، درّس في بعض الحوزات، وحدثني يوماً عن تدريسه للحلقات، لكنه لم يستطع مواصلة التدريس نظرًا لكثرة التزاماته.
كان يلقي دروسًا أسبوعية في الحسينيات والمساجد، كما كان يستغل أوقات الراحة في القراءة.
روى لي أحد المرافقين أنه في أول أيام العيد قرأ كتابًا كاملًا.

 

علاقته بكتاب “نهج البلاغة”

السيد هاشم كان يعكف لسنوات على دراسة “نهج البلاغة” ويتباحث فيه مع بعض الفضلاء في لبنان، وتمخض عن ذلك شرح كتبه بيده، وإن شاء الله يبصر هذا الشرح النور قريبًا، كما كان له حوارات مع أخيه السيد حسن حول تأملاته في “نهج البلاغة”.

على مستوى شخصيته الحوزوية، كان يفتخر بالانتساب إلى الحوزة العلمية، وعند عودته إلى لبنان ساهم في دعم الحوزات، وبناء بعضها، وخدمة طلاب العلم.
بقي محافظًا على صبغته الحوزوية حتى اللحظة الأخيرة، وكان ملتزمًا بالأعراف الحوزوية الصارمة، وهذا يدل على فخره بانتسابه لهذه الحوزة.

كما كان يدعم العلماء والمشاريع الثقافية والعلمية في لبنان وخارجه، حتى في إفريقيا، وكان له اليد في دعم هذه المشاريع، ما يعكس أصالته الحوزوية.

 

صفاته الأخلاقية

أما من الناحية الأخلاقية، فقد كان السيد هاشم قمةً في الورع والتقوى، وكان مؤدبًا إلى حد كبير، واتسم سلوكه في المجال الإداري بأدب جمّ أكسبه احترام من يكبرونه سنًا.
كانت لديه سعة صدر عجيبة، واستطاع عبرها التأثير في الآخرين وتغيير آراء بعض المختلفين معه.

كان السيد بسيطًا في ملبسه ومسكنه، وصاحب روح صافية للغاية، وكان من أهم توصياته لطلاب العلم المحافظة على صلاة الليل، وزيارة السيدة المعصومة.

كانت له علاقة عجيبة بسيد الشهداء، وروى لي أحد مرافقيه كيف كان يبكي في يوم عاشوراء حتى خشوا عليه من الإغماء.
أما علاقته بصاحب العصر والزمان، فكانت قوية، ويهتم بكل مشروع يعزز الثقافة المهدوية.

كانت له محبة عميقة للسيد القائد، ويعتبر نفسه جنديًا مطيعًا له، وقد وصفه السيد القائد بأنه من الذين يدعو لهم يوميًا.

علاقته بالسيد حسن نصر الله كانت تجسد وصية السيد محمد باقر الصدر بأن “يذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام”.
لقد وضع ثقته بالسيد حسن، متحليًا بالصبر الشديد.

كان السيد هاشم إنسانًا عفيفًا وعالي الهمة، يعمل ليلًا ونهارًا، ولم يكن يتوانى عن المطالعة والكتابة في بيته.

كان السيد هاشم إنسانًا في قمة العفة وعالي الهمة، بل إنه كان يعمل ليلًا ونهارًا. وكما ذكرت لكم، لم يكن يعمل فقط في الليل والنهار، بل حين ينتهي من عمله يذهب إلى بيته، ليكتب ويدرس ويطالع، متأسيًا بخط جده الإمام الحسين عليه السلام. فهنيئًا له بهذه الخاتمة، إذ أن لشخصيته الإيمانية والأخلاقية والعلمية والحوزوية أثرًا كبيرًا في صقل شخصيته الإدارية والعملية.

عندما ننظر إلى علم الإدارة، نجد أن بعض علماء الإدارة أو بعض العاملين في هذا المجال يعتمدون على أساليب تعلموها في الجامعات وطرق جربوها. ولكن نادرًا ما نجد إنسانًا يجمع بين هذه الأبعاد ويصيغها في شخصيته الإدارية. طبعًا هنا، لا أدافع عن هذه المنهجية الإدارية، ولكن يمكنني القول إنني أراها صحيحة، وإنني أصفها فقط. فالسيد، في شخصيته الإدارية، تأثر بشخصيته العلمية والأخلاقية، وكان يثق بالذين يعملون معه، مما ساعدهم على الإبداع. فمن كان موضعًا لحسن الظن استفاد من هذه الثقة ليطوّر قدرات المقاومة.

 

شخصيّته الإداريّة

كذلك، كان السيد صاحب عقل هادئ وطباع هادئة، وكان لهذا أثرٌ كبيرٌ في اتخاذ القرارات. كما اتسم بشخصية جامعة ومنظومية. والمقصود بالشخصية المنظومية أنه كان قادرًا على القيادة والإدارة بنظرة شمولية، وهذا أمر جليٌّ في شخصيته. السيد الشهيد السيد هاشم كان مديرًا على رأس العديد من مؤسسات المقاومة ووحدات المقاومة، وقد عمل على إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام وإحياء دين الله. من خلال هذه المؤسسات، سعى لمساعدة الناس وقضاء حوائجهم.

من هذه المؤسسات، نجد مؤسسات تهتم بجرحى المقاومة وأبناء الشهداء، إلى جانب المؤسسات المالية والثقافية، وبعض الحوزات العلمية وغيرها، والتي تصب جميعها في خدمة المجتمع المؤمن في لبنان. وكان مديرها السيد هاشم صفي الدين.

ومن خلال هذه الإدارة، كانت تربطه علاقة قوية بجيل الشباب في وحدات المقاومة ومؤسساتها. فقد التقى بعدد كبير من شباب المقاومة في جلسات خاصة وعامة، وكان يستمع لهم ويتبنى أحيانًا بعض آرائهم، لأن السيد كان يتطلع إلى مستقبل زاهر لمجتمع المؤمنين في لبنان. فاهتمامه بالشباب وعلاقته بهم ساعداه كثيرًا في تحقيق هذه التطلعات. فلا يمكن لأحد أن يتطلع إلى المستقبل دون أن يلتقي بالشباب ويعرفهم معرفة شخصية.

في بعض الميادين، قد تجده أكثر إلمامًا من غيره بتفاصيل معينة، حتى لو كان الشخص الآخر متخصصًا في هذا المجال. وهذا كان حال العلامة الشهيد السيد هاشم، حيث كان له رأي راجح وقول مطاع عند قادة المقاومة الجهاديين، وكانوا يستفيدون من مشورته وتوجيهاته في كثير من الوحدات.

كان السيد هاشم حين يتحدث في الأمور العلمية والأخلاقية، يشدّ المستمع ولا يملّ من كلامه. وهذا ما يذكرنا بشخصية السيد حسن نصر الله. فقد تحدث الكاتب محمد حسنين هيكل عن السيد حسن، قائلاً: “جلست معه تسع ساعات، نتحدث في السياسة والعسكر وغيرها من الأمور، ولم أشعر بالملل.”

ختامًا، إذا أردنا أن نلخص شخصية السيد الشهيد السيد هاشم صفي الدين، يمكننا القول إنه العالم الحوزوي في الحزب الإسلامي. هذا الحزب الإسلامي، من منظور السيدين، لا يعمل لمصلحة حزب بحد ذاته، بل يعمل لمصلحة الأمة، لتحقيق أهداف إلهية سامية. وبالنسبة لي، من أهم من وضعوا ركائز هذا المفهوم هما هذان السيدان، وقبلهما السيد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب، مع مجموعة كبيرة من العلماء في مسيرة المقاومة.

هؤلاء العلماء لم يعتبروا الحزب هدفًا بحد ذاته، بل إطارًا لتنظيم شؤون المؤمنين، ولهذا فإن التنظيم هو الذي حقق لنا هذه النتائج. فقد أتاح لنا التنظيم الوصول إلى حوزات في لبنان، ووحدات للمقاومة. وربما يكمن السر في استشهاد هذين السيدين في هذه المرحلة من تاريخ الأمة. لقد استشهد هؤلاء القادة على طريق القدس، وكانوا في خط أهل البيت، فنسأل الله أن تكون شهادتهم رفعًا للإسلام المحمدي الأصيل، وتحقيقًا للأهداف التي نذروا أنفسهم من أجلها منذ أن كانوا طلاب علم حتى أصبحوا علماء وقادة للأمة. صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وجزاهم الله بصدقهم شهادة مباركة في خط رسول الله صلى الله عليه وآله، والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

هنيئًا له هذه الخاتمة، فقد جمع بين العلم والعمل والدين والإخلاص.

 

 

قیم هذا المقال!

نتيجة 5.00

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  • ×