وظيفة المجتمع المؤمن في أيام الحرب على ضوء القرآن الكريم
وظيفة المجتمع المؤمن
في أيام الحرب على ضوء القرآن الكريم
بمشــــاركة:
سماحة الشيخ علي كركي “حفظه الله”
التغطية المصورة:
التغطية الصوتية:
التغطية المكتوبة:
ضمن برنامج “الملتقى الأسبوعي” في منتدى السيدة المعصومة الثقافي بمدينة قم المقدسة استضيف سماحة الشيخ علي الكركي يوم الأربعاء 30 أكتوبر 2024 ليتناول في كلمته “وظيفة المجتمع المؤمن في الحرب على ضوء القرآن الكريم”، وهنا تقديم لكلمة سماحته مع شيء من الاختصار.
روى الكليني في الكافي بسند معتبر في حديث: إذا التبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، ومن جعله الدليل يدله على السبيل. (الكافي: ج 2، ص 598)
وفي خبر آخر في تحف العقول من وصية الإمام الباقر ع لجابر بن يزيد: وَاِعْلَمْ بِأَنَّكَ لاَ تَكُونُ لَنَا وَلِيّاً حَتَّى لَوِ اِجْتَمَعَ عَلَيْكَ أَهْلُ مِصْرِكَ وَقَالُوا إِنَّكَ رَجُلُ سَوْءٍ لَمْ يَحْزُنْكَ ذَلِكَ وَلَوْ قَالُوا إِنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ لَمْ يَسُرَّكَ ذَلِكَ وَلَكِنِ اِعْرِضْ نَفْسَكَ عَلَى كِتَابِ اَللَّهِ فَإِنْ كُنْتَ سَالِكاً سَبِيلَهُ زَاهِداً فِي تَزْهِيدِهِ رَاغِباً فِي تَرْغِيبِهِ خَائِفاً مِنْ تَخْوِيفِهِ فَاثْبُتْ وَأَبْشِرْ فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّكَ مَا قِيلَ فِيكَ. (تحف العقول عن آل الرسول ج1، ص284)
صدرت الكلام بالروايتين حتى أبيّن سبب اختيار الموضوع، وهو كون القرآن هو المرجع للمجتمع المؤمن عند حلول الفتن .
* يمكن تقسيم المجتمع المؤمن في زمان الحرب إلى فئتين:
١. الفئة المقاتلة بالعنوان العسكري للقتال أي الفئة التي تحمل السلاح (أطلقنا عليها مصطلح القتال دون الجهاد باعتبار ما قد يقال من أن الجهاد أوسع من معنى القتال).
٢. الفئة غير المستطيعة للقتال إما لعذر مقبول أو غيره، فلهم دور على كل حال.
بالرجوع إلى سيرة النبي “ص” نجد هذا التقسيم واضحا، فكانت النسوة يطببن الجرحى مثلا، كذلك يصطحب النبي “ص” الشعراء لتحفيز المؤمنين على القتال.
إذًا المجتمع المؤمن إما مقاتل أو مساعد على القتال.
نأتي الآن إلى القرآن الكريم لنوضح وظيفة هاتين الفئتين:
نذكر أولا مقدمة كمنطلق للتعامل مع البلاءات عامة:
(ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية)
قبل البدء، ما هو التصور الموجود والحاكم في أذهان المجتمع الإيماني عن قتال الأعداء؟
الحرب ليست نزهة، القتال محفوف بالمصاعب، كتب عليكم القتال وهو كره لكم.
أولا: لابد للمؤمن أن يكون له تصور صحيح عن الحرب، فهو نوع من البلاء والتحدي تبذل فيه الأرواح والأموات، ويفقد فيه الأهل والأحباب.
إذًا القتال ليس أمرا هينا، بل هو أمر خطير.
ثانيا: المجتمع المؤمن لابد أن ينظر إلى القتال نظرة موضوعية، لا يبالغ في النظر إلى قدراته، ولا يبالغ في النظر لقدرات العدو، وحينئذ يستطيع أن يواكب الحرب، وإلا فإنه سيتعثر وسيتلكئ ويتراجع وفي الأخير ينهزم.
ثالثا: النصر والهزيمة من الأمور التي تحدث في نفس المنتصر قبل أن تحدث في الواقع الخارجي، فكم من دولة تملك من القدرات الضخمة ولكنها مهزومة، وكم من فئة قليلة العدد والعتاد ولكنها منتصرة، لأن الانتصار والانهزام مبدؤه من الداخل.
لو أتيت إلى شخص وجهزته بأفضل أنواع الأسلحة ولكن قلبه ضعيف فإنه سيتراجع وينهزم.
بعد بيان هذه الأمور نشرع ببيان وظائف المجتمع المؤمن، وهي كثيرة، وقد اخترت بعضها:
الأولى: التحريض على القتال
(حرض المؤمنين على القتال) هي وظيفة المقاتل والقائد والأم مع أبنائها والأب مع أبنائه والأخ في وسائل التواصل الاجتماعي.
وظيفتنا الأولى تحريض المؤمنين على القتال، وألا نثبطهم.
كيف يكون التحريض؟
ببيان أهمية المعركة وحقيقة المعركة، وأما بيان النقائص التي لا يخلو منها مؤمن أو جهة غير المعصوم فإنه لا يخلو من تثبيط.
فالعالم من منبره والإعلامي من منصته كل واحد مسؤول عن التحريض على القتال.
طبعا خطاب الآية وإن كان موجها إلى النبي إلا أنه عام للمؤمنين كما هو واضح في محله.
الثانية: الثبات
(يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)
المقاتل ما لم يشعر بالثبات لن يستطيع إكمال القتال،
بيئة المجتمع المؤمن أيضا لابد أن تتصف بالثبات، مثلا الإعلامي ما لم يكن ثابتا في بيانه وظهوره الإعلامي فإنه سينكفئ ويتكلم بانهزامية.
في مضمون الرواية عن الإمام زين العابدين عليه السلام: “ما أكثر من يتكلم وأقل من يعمل”، وبدأ الامام ع تعداد خصائص من يتكلم ولا يعمل، فأطرق القوم برؤوسهم إلى الأرض، ثم هدّأ الإمام من روعهم، وقال لهم بأن من يتكلم فله أجر، ولكن درجته أدنى.
الثالثة: الصبر
عبر عنها في الروايات أنها كالرأس من الجسد، وهناك آيات عديدة توضح هذا الأمر (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) ما المراد من حين البأس؟
بحسب أسباب النزول نزلت في الصبر حين المعركة، طبعا بعض عبارات اللغة تفيد بأن الصبر معنى سلبي أي ترك الفعل، بينما يستفاد من هذه الآية أن الصبر بمعنى إيجابي وهو الصبر في مجابهة القتال كما يذكره الإمام القائد الخامنئي “دام ظله” في بحثه حول الصبر.
هذا النازح الذي أُخرج من داره إلى مكان آخر بين أناس لا يعرفهم ولا يعرفونه، وبعضهم يسكن في المدارس كل ذلك يحتاج إلى صبر، لابد أن يستحضر هؤلاء معنى الصبر.
ويقوى الاعتقاد بالصبر عبر العلم بأن البلاء نازل على كل حال، فمن صبر ظفر واستحق الأجر، ومن جزع ويأس نزل عليه البلاء ولم يؤجر.
الرابع: الانقطاع إلى الله
لا يتصور أحد أن النتائج المثمرة هي نتاج جهد العاملين، العاملون لهم دور ولكن النتائج من الله فقط وفقط.
(إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله)
الانقطاع إلى الله أصل الأصول في الحرب، لابد لكل مؤمن أن ينقطع إلى الله، وهذا ما يساعد عليه الحال والاعتبار أن الإنسان حينما يشتد عليه البلاء يلجئ إلى الجهة التي يعتقد بها كالطفل حينما يشعر بالخطر وما شابه يبدأ بالصياح ويلجئ إلى أبيه أو أمه.
المؤمن ينبغي أن يكون اعتقاده بالله أولا وأخيرا، ينقطع إلى الله ويتوسل بأحباب الله، وألا يتكل على أسباب القدرة المادية.
ومن هنا نجد في الروايات أن الدعاء أشد من حد السيف، أنت ما أدراك ما هو أثر الدعاء، ما أدراك لعل تلك الأم المثكولة حينما ترفع يديها بالدعاء والتضرع يستجيب لها الله سبحانه وتعالى وينزل النصر.
الخامسة: التوكل على الله
تقريبا كل الآيات التي تعد المؤمنين بالنصر تختم بالاتكال على الله.
من الملفت والجميل الدعاء الذي رواه الكليني بسنده عن علي بن الحسين كان أمير المؤمنين: اَللَّهُمَّ مُنَّ عَلَيَّ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْكَ وَاَلتَّفْوِيضِ إِلَيْكَ وَاَلرِّضَا بِقَدَرِكَ وَاَلتَّسْلِيمِ لِأَمْرِكَ حَتَّى لاَ أُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ وَ لاَ تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ يَا أَرْحَمَ اَلرَّاحِمِينَ.
السادسة: اليقين بوعد الله
لعل هذا الأمر من أكثر ما يبتلى به الناس، فينبغي التشديد عليه وعدم الاكتراث بما يشيعه العدو
(الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) هذه صفة لابد من استحضارها في نفوس المؤمنين، خصوصا في هذه المعركة التي تقريبا يقف فيها المؤمنون وحدهم في مقابل اصطفاف الكفار والمنافقين.
سيد الميزان يقول في سبب زيادة الإيمان في هذه الآية: أحد سببين:
١. المعتقد بشيء كلما زاد الضغط عليه كلما ازداد إيمانه بعقيدته.
٢. الله سبحانه وتعالى وعد المؤمنين بالنصر، فكلما اشتد الضغط على المؤمن تعلق بالله حتى ينزل عليه النصر.
اليوم من أصعب الأشياء تحصيل المعلومة الدقيقة التي تكون أساس التحليل الصحيح، وهذا مقصود للأعداء طبعا بالتضليل والتشويش، يستشهد شخص فيقولون عشرة، فلابد للمؤمن ألا يكترث بما يسمعه من أبواق العدو، بل بعض الأحيان الاطلاع على الأخبار المشوشة مما يشكل على الأشخاص، وجدت تصريحا للشيخ المكارم في بحث كتب الضلال في أنوار الفقاهة ج١ ص١٩٩ حول الموضوع، يقول: (لا يختصّ الحكم بعد ما عرفت من الأدلّة العامّة الواسعة بخصوص «الحفظ» بل يشمل التأليف والطبع والتصحيح والنشر وغير ذلك من التعليم والتعلّم والكتابة، ولا بخصوص «الكتاب»، بل يعمّ التصاوير والأفلام والإذاعات وغيرها.)
بالله عليك حينما يشاهد غير المختص تحليلات بعض القنوات ألا يوجب وهناً وضعفاً لجبهة المؤمنين؟
السابعة: الاعتقاد بأن النصر من عند الله
آيات كثيرة تدل على ان النصر من الله، ولكن ما هو النصر؟
في كثير من الأحيان لأننا وضعنا في أذهاننا تصورا معينا من النصر فإننا لا نتعقله، هل نتصور النصر بمعنى عدم الدمار وعدم القتل ؟
من ناحية مادية هل هذا هو معنى النصر؟
في الحرب العالمية ألم تحصل خسائر عند الأطراف؟
إذا أردنا حساب الأمور بالخسارة في الأرواح فنحن خسرنا سيدنا الأسمى، وهي خسارة كبيرة، ولكن هل معناه أننا خسرنا المعركة؟
النصر يقاس بمقدار ما حققته كل فئة من أهداف،
مثلا الصهاينة وضعوا هدفا في غزة وهو القضاء على المقاومة، ولكن بعد أكثر من سنة لم يقض على المقاومة، نعم هناك خسائر كبيرة ولكن هدف العدو لم يتحقق.
الحرب ليست مباراة كرة قدم من يسجل أهدافا أكثر فقد ربح، في حرب تموز هناك قرى دمرت بالكامل وكذلك في الوضع الحاضر قرى دمرت، ولكن بحسب تقرير فينوغراد في ٢٠٠٦ قال العدو بأنه انهزم.